وداعًا للهوس، ومرحبًا بالهدوء: كيف أعادني تجرتول إلى نفسي
سنوات طويلة عشتها في حالٍ لم أفهمه تمامًا. كنت "أنا" لكن بصورة أكثر اندفاعًا، أكثر إلهامًا، أكثر كلامًا، أكثر كل شيء. كنت أستمتع بتلك الفورة التي تأتيني فجأة، ذلك النشاط العقلي الذي يجعلني أظن أنني أملك العالم بين يدي. كانت نوبات الهوس الخفيف (Hypomania) جزءًا من حياتي، وكنت، في عمق قلبي، لا أريدها أن تنتهي.
لكن كل صعود جنوني لا بد له من هبوط، وكل متعة غير متزنة، تُعقبها فوضى داخلية. بدأت أشعر بالقلق. ذلك القلق الذي لا يشبه أي قلق آخر. قلق ليس من شيء محدد، بل من كل شيء. من الغد، من نفسي، من العلاقات، من أصوات أفكاري.
كنت أظن أنني أعيش "بأقصى طاقتي"، لكن الحقيقة أنني كنت أعيش على حافة الانهيار، كل مرة.
ثم جاء اليوم الذي قررت فيه أن أهدأ
لم يكن قرارًا سهلاً. الفصام العاطفي ليس اضطرابًا عابرًا. هو معركة دائمة بين العقل والشعور، بين الاستبصار والانفصال، بين الهوس والانطفاء. لكنني كنت قد تعبت من التقلّب، من الصعود الحاد والهبوط المؤلم، من تلك الحالة "الجميلة" ظاهريًا، لكنها "مُدمرة" في الخفاء.
مع الطبيب، بدأنا تجربة دواء جديد: تجرتول (Tegretol). بجرعة بسيطة جدًا، حبة واحدة فقط. لم أكن أضع عليه آمالاً كثيرة. لكنني، بعد أيام قليلة، شعرت أن شيئًا يتغير.
التغيير لم يكن مفاجئًا... لكنه كان عميقًا
لم أعد أستيقظ بذلك النبض المتسارع. لم أعد أندفع في الحديث أو أتخذ قرارات متسرعة. عقلي أصبح أكثر هدوءًا، أكثر اتزانًا. وكان هذا الهدوء غريبًا علي في البداية.
كنت معتادًا على أن أعيش "بنشوة" الهوس، تلك الطاقة التي كانت تُسكرني. لذلك، حين خفتت، شعرت بشيء يشبه الاكتئاب. لكنني أدركت بسرعة: لا، هذا ليس اكتئابًا… هذا هو المزاج الطبيعي الذي لم أعتده منذ زمن طويل.
تجرتول لم يُخدّرني… بل أعادني إلى نفسي
كان هناك فارق شاسع بين ما كنت عليه، وبين ما أصبحت عليه. أصبحت أستمتع بالأشياء الصغيرة، لا أحتاج إلى المبالغة لأشعر أنني بخير. لم أعد أشعر بأنني "مطارد" بأفكاري. أصبح لدي وقت للهدوء، للقراءة بتركيز، للنوم دون صراع.
والأجمل من كل هذا؟ أنني أصبحت أكثر قربًا من نفسي. فهمت أنني لا أحتاج إلى "جنون" حتى أبدع، ولا إلى "اندفاع" حتى أكون صادقًا، ولا إلى "هوس" حتى أعيش. أحتاج فقط إلى أن أكون متوازنًا.
القلق الذي كنت أظنه مستقلاً، كان صوت الهوس المقنع
منذ بدأت أهدأ، اختفى القلق تدريجيًا. لم أكن أحتاج إلى علاج مهدئ، بل إلى إخماد النشاط المزاجي الزائد الذي كان يغذّي القلق من الداخل. ومع الوقت، بدأت أفهم أن العقل المتوازن لا يخاف كثيرًا، ولا يبالغ كثيرًا، ولا ينهار بسهولة.
رسالتي لكل من يتعايش مع اضطراب مزاجي أو فصام عاطفي
اعرف حالتك. لا تُقاوم العلاج بدافع الخوف من فقدان نفسك. فربما نفسك الحقيقية لا تظهر إلا بعد أن تهدأ تلك الفوضى الكيميائية في الدماغ. أنا كنت أظن أنني "سأختفي" حين أهدأ، لكنني وجدت نفسي الحقيقية حين توقفت عن الركض.
وتذكر: لست بحاجة إلى أن تعيش بأقصى سرعة حتى تكون حيًّا. الهدوء ليس مللًا… بل نعمة. والاستقرار ليس جمودًا… بل أساس لكل شيء جميل.
كتبه: شخص خرج من قلب الهوس إلى هدوء الروح، ووجد في أبسط جرعة من دواء، أعظم راحة
قسم: قصص الأمل