كيف دعمتني التربية النفسية والروحية في دروب التعافي؟
✍️ رضا أبو جاد | حكاية أمل
📂 قسم: دروب التعافي | مدونة سايكو
في عالم يعج بالضجيج والضغوط، كان لا بد من العودة إلى الأصل... إلى الداخل. لم تكن رحلتي مع الفصام الوجداني سهلة، بل مليئة بالتقلبات النفسية والانفعالات الحادة والخوف من المجهول. ولكن، ما أن فتحت باب التربية النفسية والروحية في حياتي، حتى تغير كل شيء تدريجيًا. لم أشفَ تمامًا، ولكنني تعافيت بوعي، وبعمق لم أكن أتخيله.
ما المقصود بالتربية النفسية والروحية؟
هي ببساطة عملية مستمرة لإعادة بناء الذات من الداخل، عبر الوعي، التفهم، المصالحة مع النفس، وتنمية القيم الروحية مثل الصبر، الشكر، والقبول. التربية النفسية تعني فهم السلوك والمشاعر والدوافع، أما التربية الروحية فهي توجيه القلب نحو المعنى، نحو الله، نحو ما هو أعلى من الألم.
البداية: حين لم تنفع الأدوية وحدها
كنت أتناول أدويتي بانتظام، وكنت أزور الطبيب النفسي كل شهر. لكن هناك شيء ما كان ناقصًا... كنت أشعر بالفراغ، بالضياع، وكأن العلاج يدور في حلقة دوائية لا تمس الجوهر. كنت أتحسن طبيًا، لكنني لا أزدهر إنسانيًا.
عندها بدأت أسأل نفسي: من أنا؟ ماذا أريد فعلًا؟ هل أنا مجرد تشخيص طبي؟ هل هناك ما يمكنني تغييره من الداخل دون انتظار دواء جديد؟ وهنا بدأ التحول.
الوعي النفسي: أداة تحرير
عبر القراءة في علم النفس، ومتابعة المحتوى العلاجي والإنساني، بدأت أفهم كيف تؤثر أفكاري على مشاعري، وكيف يمكنني إعادة تأطير التجارب السلبية، لا لأهرب منها، بل لأراها من زاوية جديدة. تعلمتُ ألا أصدق كل فكرة تمر في ذهني، وأن العقل قد يكون خصمًا أو حليفًا، حسب الوعي الذي أتعامل به معه.
القيم الروحية: التربة التي نبت فيها قلبي من جديد
الصلاة، التأمل، الذكر، قراءة القرآن بنَفَس وجداني... كل هذا لم يعد مجرد أداء شعائري، بل صار جزءًا من شفائي. بدأت أتعامل مع المرض كقدر فيه حكمة، ومع الألم كوسيلة لصقل النفس، لا كعقوبة.
التربية الروحية أعادتني إلى نفسي، وذكّرتني أنني لست وحدي، وأنني مخلوق محبوب عند الله رغم ضعفي. كل هذا ساعدني على الصبر، ورفع من مناعتي النفسية أمام الانتكاسات والوساوس.
كيف انعكس هذا على حياتي اليومية؟
- أصبحت أتقبل ذاتي أكثر، وأقل قسوة على نفسي.
- تراجعت نوبات الغضب والقلق تدريجيًا.
- تعمّق شعوري بالامتنان حتى في أبسط اللحظات.
- استعدت علاقاتي الاجتماعية تدريجيًا بثقة وهدوء.
- كتبت شعرًا فيه نور بعد أن كان مليئًا بالظلمة فقط.
هل التربية النفسية والروحية بديل عن الطب؟
لا. هي مكمل عميق وضروري، وليست بديلاً. الأدوية تنقذنا من الأعماق المظلمة، لكن التربية النفسية والروحية تعلمنا كيف نسبح نحو الضوء. الطبيب يساعدنا في التوازن البيولوجي، أما الوعي فهو من يُعيد ترتيب المعنى داخلنا.
رسالة لكل من يمر بما مررت به
لا تيأس. ربما جربت عشرات الأدوية ولم تتحسن، لكن هل جربت أن تنظر في داخلك؟ هل صافحت ألمك؟ هل غفرت لنفسك؟ ابدأ بخطوة صغيرة: قراءة، تأمل، دعاء، أو حتى جلسة صمت صادق مع نفسك. من هنا تبدأ دروب التعافي.
خاتمة
أنا اليوم لست "مُعافى" تمامًا، لكنني إنسان أكثر قربًا من ذاته، أكثر تفهمًا لتقلباته، وأكثر امتنانًا لكل لحظة صبر فيها قلبي على ما لا يُطاق. وهذا بحد ذاته... شفاء.
رضا أبو جاد | حكاية أمل