حين لا يُكمل الدواء وحده الرحلة: تجربتي مع الأعشاب والمزاج

 

حين لم يُسكِت الدواء الألم، هدّأته الأعشاب



ليست كل راحة تأتي من وصفة طبية. أحيانًا، تأتي الراحة في أبسط الأشياء: كوب شاي، نفس دافئ، عشبة منسية على رف العطار. أنا لا أنكر فضل الدواء، ولا أقلل من قيمته — بل أعرف أنه ما أعاد لي توازني في لحظات لم أفهم فيها نفسي. لكنني اليوم، أكتب عن لحظة مختلفة، لحظة لم ينجح فيها الدواء في إراحة جسدي، فجاءت الأعشاب كمن يربّت على كتفي ويهمس: "أنا هنا أيضًا".

كان مزاجي متعكرًا بلا سبب واضح، وآلام البطن تعاودني كما تفعل حين يختلط التوتر بالأمعاء. تناولت دوائي كالمعتاد، لكن شيئًا لم يتغير. لم أكن في نوبة اكتئاب حادة، ولا في أزمة ذهانية، بل في لحظة جسدية صامتة تُترجم نفسها إلى ضيق نفسي. في مثل هذه اللحظات، يختلط الجسدي بالنفسي، ويُصبح من الصعب معرفة من أين يبدأ الألم، وأين ينتهي.

ثم لجأت إلى شيء بسيط: مغلي من الشاي الأخضر، والميرمية، واللويزة. شربته بهدوء، دون توقعات. كنت فقط أبحث عن أي مهدئ طبيعي يخفف التقلصات، ويهدئ القلق. لكن المفاجأة أن التأثير لم يكن جسديًا فقط، بل نفسيًا أيضًا. بدأ صدري يرتخي، وعادت أنفاسي إلى وتيرتها العادية، وانطفأ ذلك التوتر الخفي الذي كان يسحبني نحو حافة الاكتئاب.

هل كانت الأعشاب السبب المباشر؟ ربما جزئيًا. لكن الأهم أنها كانت الوسيلة التي أخرجتني من حالة الانغلاق على الألم. أخرجتني من الصمت، من الانتظار السلبي، إلى فعل بسيط فيه نية للراحة. وهذا بحد ذاته، شكل من أشكال العلاج.

الدواء مهم، وأساسي في حالات مثل الفصام، الاكتئاب الحاد، واضطرابات المزاج المعقدة. لا نقاش في هذا. لكنه ليس العصا السحرية التي تُعالج كل شيء. هناك مساحات من الألم لا تصلها الكيمياء، لكنها تستجيب للدفء، للصبر، ولعلاقة هادئة مع الجسد.

في طب الأعشاب، هناك تاريخ طويل من الاستخدام، وهناك دراسات تدعم تأثير بعضها، خاصة في تهدئة الجهاز الهضمي، وتحسين المزاج العام. الشاي الأخضر يحتوي على مضادات أكسدة تساهم في خفض التوتر، والميرمية معروفة بخصائصها المهدئة، أما اللويزة (ورقة اللويزا) فمشهورة في الطب الشعبي بتأثيرها في تهدئة الجهاز العصبي والهضمي معًا.

ما أريد قوله: إن الراحة النفسية لا تأتي من اتجاه واحد فقط. أحيانًا، يُصلح الدواء كيمياء الدماغ، وتُصلح الأعشاب علاقتنا مع أجسادنا. وأحيانًا، مجرد جلوسك في هدوء، وتحضيرك لمغلي بسيط، يُعيد إليك شعورًا بأنك في مكان آمن. أن هناك شيئًا صغيرًا تفعله لنفسك، بيديك، وله تأثير.

في تلك الليلة، لم أكن بحاجة إلى جلسة علاج نفسي، ولا إلى مضاعفة الجرعة. كنت فقط بحاجة إلى لحظة صدق مع جسدي. لحظة أقول له فيها: "أنا أسمعك، وأهتم بك". وقد وصلت الرسالة، فهدأ الألم، وانسحب الغيم، وعدت إلى سريري بروح أخف.

أكتب هذا المقال ليس لأقول إن الأعشاب تشفي، بل لأقول إنها أحيانًا تساعد، وتستحق أن نعيد النظر في قيمتها. وأن المريض النفسي، حين يتعب جسده، قد يجد في الطبيعة ما يواسيه. ليس بديلاً، بل رفيقًا في الطريق.

ربما بعض الألم لا يحتاج شرحًا، بل يحتاج مغليًا ساخنًا، وصمتًا، وجلوسًا على الكرسي دون شاشة أو تفكير. وربما بعض الشفاء لا يأتي في صورة قرص دواء، بل في شكل راحة غير متوقعة بعد رشفة.

اليوم، شُفيت. لا تمامًا، لكنني أتنفّس براحة، وجسدي لم يعد يصرخ. والفضل لله، ثم لهذا المزيج من الشاي الأخضر، والميرمية، واللويزة. وفي قلبي، تقدير بسيط لأشياء بسيطة، أعادت إليّ هدوئي.

تعليقات