مراجعتي الشخصية لثلاثة أدوية غيّرت حياتي مع اضطراب المزاج

 

مراجعتي الشخصية لثلاثة أدوية غيّرت حياتي مع اضطراب المزاج




✍️ بقلم: رضا أبو جاد | قسم: دروب التعافي | مدونة سايكو

على مدى سنوات طويلة من معاناتي مع اضطراب وجداني ذهاني (schizoaffective)، خضعت لعلاجات نفسية متعددة، وجربت عددًا كبيرًا من الأدوية. كنت في رحلة بحث دائمة عن توازن داخلي وهدوء عقلي يساعدني على الاستمرار في الحياة والعمل وتربية أبنائي، دون أن أكون أسيرًا للأعراض أو للأدوية.

في هذه المقالة، أشارك تجربتي الصادقة مع ثلاثة أدوية شكلت، في تركيبتي الحالية، تحولًا كبيرًا نحو الاستقرار. هذه المراجعة ليست دعاية لأي دواء، بل شهادة مريض عارف، خبير، قضى سنوات يختبر ويتأمل ويكتب ويقارن.

الأدوية الثلاثة التي أحدثت الفرق

  • تجرتول (Tegretol - كاربامازيبين)
  • ليثيوم (Lithium Carbonate)
  • أبليفاي (Abilify - أريبيبرازول 20 مغ)

1. تجرتول: التوازن الحقيقي

تجربتي مع تجرتول كانت مدهشة. في البداية كنت مترددًا، خاصة بسبب سمعته في التداخلات الدوائية. لكن تحت إشراف الطبيب، بدأت بحبة صباحًا وأخرى مساءً، ولاحظت تحسنًا كبيرًا في استقراري المزاجي، وتراجعًا ملحوظًا في نوبات الغضب والتوتر.

تجرتول، بتركيبته كمثبت مزاج ومضاد للصرع، يهدئ الجهاز العصبي ويعمل على كبح التهيّجات. من وجهة نظري، قوته لا تقل عن لامكتال، بل تفوقه في بعض الجوانب مثل ضبط الهوس الخفيف وتقليل القلق العضوي.

الملاحظة المهمة: تجرتول قد يقلل من فاعلية بعض الأدوية عبر تحفيز إنزيمات الكبد (CYP450)، لذلك كانت الجرعة المناسبة من أبليفاي ضرورية لتعويض ذلك.

2. الليثيوم: الحارس الصامت

ليثيوم هو الدواء الأقدم والأكثر كلاسيكية كمثبت مزاج. جربته في فترات متفرقة، لكنه الآن عاد ضمن تركيبتي الحالية إلى جانب تجرتول. والنتيجة؟ استقرار داخلي غير مسبوق.

ما يميّز الليثيوم هو تأثيره طويل الأمد في الوقاية من الانتكاسات، سواء الهوس أو الاكتئاب. أستعمله بجرعة معتدلة صباحًا ومساءً، مع متابعة طبية صارمة لمستوى الليثيوم في الدم، وحالة الكلى والغدة الدرقية.

الشعور الذي يمنحه الليثيوم لا يشبه التخدير أو الكبح، بل يشبه صوتًا داخليًا يهمس للعقل بأن كل شيء سيكون بخير.

3. أبليفاي: وضوح ذهني دون خمول

أبليفاي، أو أريبيبرازول، دواء مضاد للذهان الجيل الثاني، يتميز بأنه لا يسبب الخمول أو زيادة الوزن مثل غيره. أتناوله بجرعة 20 مغ، وهي جرعة متوازنة تسمح بالتحكم في أي أعراض ذهانية متبقية دون الشعور بالثقل العقلي.

ما لاحظته شخصيًا أن فعالية أبليفاي تأثرت قليلًا بسبب تجرتول، لكن الأمر تم تجاوزه بزيادة طفيفة في الجرعة، حسب استشارة الطبيب.

الدواء ساعدني على التفكير بوضوح، والنوم بشكل طبيعي، والشعور بأنني لست غريبًا في جسدي أو في محيطي.

تركيبة متكاملة: لماذا تعمل هذه الثلاثية؟

الدمج بين مثبت مزاج قوي (تجرتول)، ومثبّت مزاج وقائي (ليثيوم)، ومضاد ذهان متوازن (أبليفاي)، شكل لديّ نوعًا من "البنية الدفاعية النفسية" المتماسكة.

كل دواء يعمل في مسار مختلف، ومعًا يغطّون المحاور الثلاثة الأهم في مرضي:

  • المزاج: من خلال تجرتول والليثيوم.
  • الاستبصار والوضوح العقلي: من خلال أبليفاي.
  • الوقاية من الانتكاسات: من خلال الليثيوم تحديدًا.

التجربة اليومية مع هذه الأدوية

أشعر اليوم أنني أكثر قدرة على العمل، على التفاعل مع أسرتي، وعلى متابعة هواياتي مثل تربية الحمام والقراءة والكتابة. لم تعد الأدوية عبئًا ثقيلًا كما كانت، بل أصبحت أداة دعم حقيقية.

لم أعد أراقب نفسي بتوجس، ولم أعد أنتظر الانتكاسة التالية. هناك نوع من "التحالف النفسي" بيني وبين الأدوية: أنا ألتزم، وهي تحميني.

نصائح من تجربتي الشخصية

  • لا تحكم على أي دواء من أول أسبوع.
  • راقب التداخلات وتأثير كل دواء على الآخر.
  • ناقش مع طبيبك بصدق وكن شريكًا في قرارك العلاجي.
  • لا تقارن نفسك بالآخرين؛ كل حالة فريدة.

خاتمة: التوازن ممكن

أنا اليوم أكثر اتزانًا مما كنت عليه قبل عام. وهذه التركيبة ساعدتني كثيرًا، لكنها ليست وصفة سحرية. ما يناسبني قد لا يناسب غيري، والعكس صحيح. الأهم هو أن تواصل البحث بتأنٍ، وأن تستمع لجسدك وعقلك، وأن لا تيأس.

أكتب هذه الكلمات وفي قلبي امتنان لكل من دعمني، ولكل لحظة لم أستسلم فيها. وأسأل الله أن ينفع بها كل من يمر بتجربة مشابهة.

📌 رضا أبو جاد | حكاية أمل
📂 قسم: دروب التعافي | مدونة سايكو

تعليقات