حين تكون القوة عدوًا خفيًا

 




✧ القسم: تجارب تعافٍ – مدونة سايكو

في رحلة المرض النفسي، يمر الإنسان بلحظات كثيرة يبحث فيها عن طاقة، عن حافز، عن شرارة تدفعه من السرير إلى الحياة. كنت أقول لنفسي دائمًا: "لو فقط أمتلك القليل من النشاط، بعض القوة، لا أكثر". لكن ما لم أكن أدركه حينها، أن القوة أحيانًا قد تكون خادعة… بل عدوًا في ثوب منقذ.

أنا رضا، شاب مغربي مصاب بالفصام العاطفي، عشتُ تجارب طويلة مع الأدوية، العلاجات، والمكملات. ذات يوم، ظننت أنني وجدت حلاً طبيعيًا يساعدني على الخروج من خمول الاكتئاب؛ بدأت أتناول مكمل الجنسنج الكوري مع التورين، بعد أن قرأت عن فوائدهما في رفع النشاط والتركيز ومقاومة التعب.

وبالفعل، شعرت في الأيام الأولى بنشاط ملحوظ. لم أعد كسولًا، ولم أعد أتهرب من المهام. كنت أنجز، أتكلم بثقة، وأفكر بسرعة. بدا لي الأمر رائعًا… لكن شيئًا فشيئًا، بدأ الوجه الآخر لهذه القوة يظهر.

⚠️ الوجه الخفي للطاقة المفرطة

مع مرور الأيام، لاحظت ازديادًا في حدة الوسواس، وعودة لبعض المشاعر التي كنت قد تجاوزتها بفضل الاستقرار الدوائي. شعرت بأن ذهني مشحون أكثر من اللازم، وأنني أدخل في حالة تأهب مزمن، أشبه بحالة "هوس خفيف"، فيها يقظة ذهنية شديدة، قلق داخلي، وصعوبة في التركيز رغم النشاط الظاهري.

ومع أني لم أربط الأمر مباشرة بالمكمل، إلا أنني لاحقًا – حين توقفت عن تناوله – لاحظت الفارق. في اليوم الذي لم آخذ فيه المكمل، اختفت الطاقة المفرطة، وعاد رأسي لهدوئه الطبيعي. نعم، لم أعد نشيطًا جدًا، لكنني كنت مرتاحًا، أكثر توازنًا، وأقل عرضة للوساوس.

🔬 نظرة علمية مبسطة

  • الجنسنج: عشبة منشطة للجهاز العصبي، تزيد الطاقة الجسدية والعقلية، لكنها قد تؤدي إلى تنشيط مفرط لدى من يعانون اضطرابات مزاجية أو ذهانية.
  • التورين: حمض أميني يساعد في دعم الجهاز العصبي، ويُستخدم في مشروبات الطاقة، وقد يوازن مفعول الكافيين، لكن دمجه مع الجنسنج قد يزيد من النشاط العقلي أكثر مما يحتاجه المريض.

بالنسبة لي، لم يكن المزج بينهما مفيدًا… بل ضارًا على المستوى النفسي. لم أعد أشعر بالراحة، ولم أعد أنام جيدًا، بل أصبحت مفرط التفكير، سريع الانفعال.

🌿 ماذا يناسبني إذًا؟

عوضًا عن هذه المكملات، وجدت راحتي مع القهوة المعتدلة صباحًا، وكوب من اللويزة والبابونج مساءً. وجدت أن الاعتدال في التحفيز هو السر. لست بحاجة لقوة زائدة… بل لقوة هادئة، تُمكّنني من أداء واجبي، لا ترفعني ثم تترك جسدي وعقلي في مواجهة الانهيار.

أحيانًا، نعتقد أننا نحتاج إلى طاقة كبيرة، لكن الحقيقة أن ما نحتاجه فعلًا هو الهدوء الذهني والتركيز. أن نكون "في المنتصف"، لا في القاع ولا في القمة.

💡 خلاصة التجربة

  • ليس كل ما يُنشط مفيدًا.
  • المرض النفسي يتطلب موازنة دقيقة بين الراحة والتحفيز.
  • راقب تأثير كل مكمل على حالتك الشخصية، فالاستجابات تختلف من شخص لآخر.
  • لا تأخذ مكملات منشطة دون فهم أثرها على جهازك العصبي، خاصة إن كنت تعاني من الفصام أو القلق أو الهوس الخفيف.

اليوم، أكتب هذه التدوينة لا لأحذّر من الجنسنج أو التورين بشكل عام، بل لأقول: راقب جسدك، وكن صادقًا مع ذاتك، وتعلّم من الإشارات الصغيرة. لا تجعل رغبتك في الطاقة تدفعك لفقدان التوازن الذي جاهدت طويلًا لتحققه.

وأنت، إن كنت في طور التعافي، لا تبحث عن القوة المطلقة، بل عن الاتزان. تأمل هذا القول: "السكينة قوة، لا يدركها المندفعون."

✧ رضا أبو جاد | حكاية أمل

تعليقات