حين تظن أنك وحدك… لكن الله معك
في لحظات كثيرة من حياتنا، نشعر أننا نقف وحدنا في ساحة معركة لا أحد فيها سوانا. يمرّ الناس، يراقبون، وربما يظنون أننا نبالغ أو نختلق أو نتهرب. لكن ما لا يراه أحد هو تلك الحرب الخفية داخلنا، تلك الوساوس التي تأتينا كهمسات، نحاول أن نسكتها مرارًا لأنها تبدو مجنونة، غير منطقية، خارجة عن المألوف.
كم مرة شعرت أن هناك أمرًا خاطئًا؟ أن شيئًا ما في الأشخاص أو المواقف لا يبعث على الارتياح؟ وكم مرة أسكتّ هذا الإحساس لأنك لا تملك الدليل، لأنك أردت أن تُحسن الظن، لأنك اعتقدت أن المشكلة فيك؟
كنت تظن أنك مفرط في الشك، أو تعاني من وسواس، أو ربما تبالغ… إلى أن تكشف الأيام عن الحقيقة. وحين يُرفع الستار، تدرك أن ما كنت تخشاه كان حقيقيًا، وأن حدسك لم يخنك، بل كنت أنت من خذل حدسك.
الناس يرونك وحدك… وأنت ترى الله معك
هناك شعور قاسٍ لا يُمكن إنكاره، حين تواجه الصراعات النفسية وحدك، حين لا يفهمك أحد، وحين تُساء الظنون بك فقط لأنك مختلف، صادق أكثر من اللازم، أو حساس أكثر مما يحتمله الآخرون. ومع هذا، تبقى هناك نقطة نور صغيرة، تتسلل من قلب العزلة: الإيمان.
الإيمان بأن الله لا يتركك، حتى لو تركك الجميع. الإيمان بأن كل هذه التحديات التي تمر بها ليست عبثًا، بل جزء من رحلة، من اختبار، من تشكيل داخلي لحقيقتك. الإيمان بأن هناك ربًّا يرى ويسمع ويعلم ما في صدرك، حتى ما لا تستطيع أن تصفه.
حين تشتدّ العزلة، وحين تشعر أن لا أحد معك، تهمس روحك: "لست وحدك. الله معك". وما أروع هذه الطمأنينة التي لا يمنحها أحد سواه.
بين الوسواس والفراسة… خيط دقيق من الألم
أحيانًا تختلط الفراسة بالوسواس، وتجد نفسك تمشي على خيط دقيق بين الحقيقة والوهم. لكن الفراسة، حين تصدر من قلب موجوع وصادق، تكون أشبه بإشارات من الداخل. قد لا تُصدّقها في البداية، لأنك تعبت من الشك، لأنك تريد أن تثق بالناس، لأنك لا تحتمل المزيد من خيبات الظن. لكن الحياة تعيدك مرارًا إلى تلك النقطة التي فيها كنت على حق، ثم تذكرّك بأنك لست مريضًا بالظن، بل طيب أكثر مما ينبغي.
في كثير من اللحظات، يبدو الألم مضاعفًا: ألم الشك في الآخرين، وألم الشك في نفسك. لكن ما يعيد إليك توازنك هو الثقة في الله، والرجوع إليه، والتفريق بين ما هو مرضي وما هو حدس.
ضوء في آخر النفق
حين تشعر أنك لا تُصدق، أن لا أحد يسمعك، أن الجميع يرى ضعفك ولا يرى ما وراءه، تذكّر أن الله لا يغفل عن شيء. تذكّر أن معركتك النفسية ليست عبثية، وأن ليلك الطويل هذا، له فجر آتٍ لا محالة.
الضوء في آخر النفق ليس وهمًا. إنه موجود، لكنه لا يُرى بالعين أحيانًا، بل يُرى بالإيمان. قد تكون محاطًا بالخذلان، بالوحدة، بالتشويش، لكن داخلك يحمل بوصلة روحية تشير إلى النور دائمًا.
ثق أن الألم سيزول. ثق أن الفوضى ستتضح. وثق أن ما تمر به اليوم سيكون لاحقًا جزءًا من قوتك، وسبيلًا لإنارة دروب غيرك.
لمن يمر بما مررتُ به…
أكتب هذه الكلمات وأنا لا أزعم النصر الكامل على كل ما واجهته، لكنني رأيت وجه الله في الظلام، وسمعت صوته في السكون، حين لم يكن حولي أحد.
كنت أظن أنني مجنون، مفرط الحس، هش، ضعيف، وسواسي… لكني كنت إنسانًا يبحث عن الأمان، عن الصدق، عن من لا يخونه. ولم أجد ذلك إلا عند الله.
إن كنت تمر بهذه المرحلة، فاعلم أن الألم لا يُنكر، لكنه ليس النهاية. هناك ضوء. وهناك ربّ لا يخذلك.