العزلة ليست هروبًا… بل حماية مؤقتة
كثيرون يظنون أن العزلة هروب، ضعف، أو نوع من الاستسلام. لكنني جرّبتها وعشتها عن قرب، وأدركت شيئًا مختلفًا تمامًا: العزلة كانت طوق نجاة. كانت غطاء دافئًا في شتاء بارد، كانت مساحة صغيرة أتنفس فيها دون أن أُفسَّر أو أُحاكم.
كنت بحاجة إلى الصمت، لا لأنني لا أملك ما أقول، بل لأنني تعبت من شرح ما لا يُشرح. تعبت من محاولة إثبات نفسي في كل لحظة، تعبت من تفسير تعبي… لمن لا يتعبون مثلي.
حين تصبح العزلة علاجًا
العزلة لم تكن سجنًا، بل غرفة علاج. كنت أجلس فيها مع نفسي، أُرمم شروخ روحي، أُربّت على قلبي، وأُهدّئ عقلي المتعب. لا ضجيج، لا أحكام، لا نظرات تفحصك وتُصنّفك في ثوانٍ.
في العزلة، استعدت شيئًا من صوتي الداخلي، بدأت أسمع نفسي بوضوح، بعد أن ظللت سنوات أسمع الناس فقط.
لماذا لا يفهم الناس العزلة؟
لأنهم لم يُجبروا على تمثيل الحياة كل صباح وهم منهكون. لأنهم لم يضطروا لإخفاء وجعهم تحت "ابتسامة اجتماعية". لأنهم يظنون أن الاختلاط هو معيار الصحة، وأن الانسحاب هو علامة خلل.
لكن الحقيقة أعمق من ذلك. أحيانًا ننسحب لننجو، لا لنهرب. نبتعد كي نحمي ما تبقّى من أرواحنا. نصمت، لا لأننا ضعفاء… بل لأن ضوضاء العالم لا تترك مجالًا للتنفس.
العزلة لا تدوم… لكنها تُعلّم
لم أبقَ في العزلة إلى الأبد. لكنني لم أعد أراها عيبًا، ولا حالة يجب إنكارها. العزلة علّمتني كيف أكون لنفسي، كيف أحتويها دون انتظار دعم خارجي. علّمتني أنني أستطيع أن أرمم نفسي حين يغيب الجميع.
وفي العزلة، عرفت الله أكثر. رأيته في سكون الليل، في راحة القلب حين يناجيه، في لحظات السكينة التي لا يصنعها إلا القرب منه.
ضوء في آخر النفق: العزلة بداية لا نهاية
العزلة ليست النهاية، بل مرحلة انتقالية. مثل الشرنقة التي يدخلها الفراش ليتحوّل، هي وقت للراحة، للمعالجة، لإعادة التعريف.
بعدها تخرج أكثر وعيًا، أكثر صدقًا، وأقل حاجة لأن يفهمك أحد. لأنك تكون قد فهمت نفسك، وهذا يكفيك عن أي جمهور.
لذا، لا تخجل إن احتجت إلى وقت بعيد عن الناس. ولا تبرر انسحابك أكثر من اللازم. كُن رحيمًا بنفسك، واترك لها مساحتها للهدوء، فليس كل من ابتعد ضائعًا… بعضنا فقط كان بحاجة إلى أن يُنقذ نفسه بهدوء.
إلى من يعيش عزلته الآن…
ثق أنها ستمر. لكن لا تُسرع في الخروج منها قبل أن تأخذ كل دروسها. لا تسمح لهم أن يجعلوك تكره وحدتك. في العزلة يكمن وضوح نادر، ومصالحة لم تكن ممكنة وسط الضجيج.
العزلة ليست هروبًا. العزلة… حماية مؤقتة من عالم لا يفهمك، إلى أن تصبح أقوى وتفهم نفسك أكثر.