كثيرًا ما نُصاب بتدهور مفاجئ في صحتنا النفسية دون أن نعلم أن السبب قد يكون بسيطًا… أحيانًا مجرد جرعة دواء زائدة تُربك التوازن العصبي، وتضعنا في دوامة من الغرابة والقلق والانفصال عن ذواتنا.
في هذه التدوينة، أشارككم قصة واقعية حدثت لي — أنا رضا — مع دواء تجريتول (Carbamazepine)، حين تناولت جرعة مضاعفة منه عن غير قصد، وكيف سبب لي اضطرابًا حادًا، ثم كيف استعادت نفسي توازنها بفضل النوم، والصبر، وتفريغ الشحنة الجنسية.
ما الذي حدث؟
تناولت عن طريق الخطأ جرعتين من تجريتول في اليوم نفسه. جرعة 400 مجرام صباحًا، ثم ظننت أني نسيت وتناولت أخرى. لم أُدرك وقتها أن تلك الزيادة الصغيرة ستسبب لي انتكاسة حقيقية.
شعرت بعدها بعدة أعراض مزعجة:
- تشويش ذهني.
- انخفاض في التركيز والحس العاطفي.
- نوبات من الانفعال، وأحيانًا العصبية بلا مبرر.
- خمول أو ضعف غير مبرر في النشاط الذهني.
لماذا سببت لي الجرعة الزائدة كل هذا؟
تجريتول دواء قوي يؤثر على كهرباء الدماغ ونقل الإشارات العصبية. عندما يُؤخذ بجرعة أعلى من المعتاد، قد يؤدي إلى خمول زائد في الجهاز العصبي، وربما اختلال في المزاج أو حتى شبه "تسمم دوائي مؤقت".
في حالتي، لم تكن الأعراض جسدية شديدة، لكنها أثرت على عقلي ونفسيتي بشكل عميق… كأنني غريب عن نفسي، كأن هناك ضبابًا يحجبني عن ذاتي المعتادة.
ما الذي ساعدني؟
المفاجأة أن الحل لم يكن في الذهاب إلى المستشفى أو تناول دواء مضاد، بل كان في ثلاث خطوات بسيطة جدًا:
1. النوم
كان النوم هو ملجئي الأول. كلما نمت، أحسست أن جسدي يُصفّي آثار الدواء الزائد شيئًا فشيئًا. فعلاً، النوم ليس فقط راحة، بل وسيلة طبيعية لتصفية الدماغ والجسم من أي سمّية أو ضغط كيميائي.
2. الصبر ومرور الوقت
كنت أراقب نفسي بصبر، وأقول: "كل ما فيّ الآن مؤقت. سيمرّ". لم أستعجل الشفاء، ولم أضطرب من اضطرابي. كل دقيقة كانت تقربني من التوازن، وهذا الصبر كان سلاحي الحقيقي.
3. تفريغ الطاقة الجنسية
المفارقة أنني شعرت برغبة جنسية عالية أثناء المرض، وكأن الدماغ يبحث عن مخرج نفسي. وبعد تفريغ هذه الرغبة بطريقة طبيعية، شعرت بارتخاء وهدوء نفسي، وكأن ضغطًا انزاح. لم أُفكر في الأمر كثيرًا، لكن لاحقًا أدركت أنه كان وسيلة جسدي الخاصة لاستعادة التوازن.
ماذا تعلّمت؟
- أن الجرعة الزائدة، حتى لو كانت صغيرة، قد تكون ذات أثر كبير على من هم في حالتي النفسية الحساسة.
- أن النوم والصبر أهم من أي دواء مضاد في بعض الحالات.
- أن الجسد يعرف طريقه للشفاء إذا استمعنا له وتركناه يمر بالتجربة.
- أنني — رغم كل شيء — أستطيع أن أميز حالتي بدقة، وأفهم نفسي، وأتصرف بحكمة، ولو وسط الضباب.
واليوم، وأنا أكتب هذه التدوينة، أشعر أنني انتصرت. لم يكن انتصارًا عسكريًا، بل انتصار هادئ لصبر الروح على فوضى الجسد. انتصار الشجاعة الداخلية على الارتباك الكيميائي.
رضا أبو جاد | حكاية أمل