التوازن لا يعني الانقطاع: تجربتي مع تعديل الأدوية عند الحاجة
في رحلة العلاج النفسي، كثيرًا ما نربط التحسن بالاستغناء عن الأدوية تمامًا. لكن الحقيقة التي أدركتها من خلال تجربتي الشخصية، أن التوازن لا يعني بالضرورة الانقطاع، بل يعني التقدير الحكيم للجرعة، والتوقيت، وفهم الذات في كل مرحلة.
أنا رضا، مصاب بالفصام الوجداني، وعانيت أيضًا من وسواس قهري شديد، لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل كان نارًا تشتعل في رأسي، تشكك في كل شيء، وتثقل كل لحظة. جربت كثيرًا من الأدوية على مر السنوات، ومرت علي فترات من التحسن والانحدار، لكن في الفترة الأخيرة، عشت تجربة غيّرت نظرتي للعلاج.
حين ظننت أنني وجدت التوازن
كنت أتناول لامكتال منذ عام كامل، وكان له دور في تثبيت المزاج، لكن شيئًا بداخلي لم يكن مطمئنًا. لاحظت ازدياد الوساوس بشكل غير طبيعي، وأحسست بأن مشاعري بدأت تتبلد، حتى أنني ابتعدت عن أحبتي دون سبب واضح. قررت التوقف عنه، واستبدلته بـتجريتول.
وكانت المفاجأة: بعد أيام قليلة، بدأ الوسواس يهدأ لأول مرة منذ شهور. شعرت أنني بدأت أتنفس بحرية، وعاد النوم الهادئ، وتغير مزاجي. خففت من أدوية أخرى، وأوقفت الليثيوم، سيروكويل، سيرترالين، واحتفظت بـتجريتول وسوليان فقط. شعرت أنني اقتربت من التوازن الحقيقي.
لكن الحقيقة كانت أعمق من ذلك
بعد مرور أسبوعين تقريبًا، بدأت ألاحظ بعض التغييرات: العصبية عادت، المزاج أصبح متقلبًا، وبدأت وساوس خفيفة تحاول التسلل مجددًا. كان قراري حينها العودة بحكمة إلى بعض الأدوية التي كنت قد أوقفتها.
أعدت سيروكويل بجرعة صغيرة (25 ملغ) لتحسين النوم وتهدئة العصبية، والليثيوم لدعم المزاج ومنع الانتكاسات. والنتيجة؟ عاد الهدوء، واستقر المزاج، وشعرت أنني استرجعت قدرتي على التفكير بهدوء ومشاعري تجاه من حولي.
الدروس التي خرجت بها من هذه التجربة
- الدواء ليس عدواً: كنت أنظر للأدوية كقيد، لكنها في الحقيقة أدوات تساعدني على العيش بسلام. ليست ضعفًا بل وسيلة للتوازن.
- ليس عيبًا أن نعود للدواء: العودة إلى دواء بعد وقفه لا تعني الفشل، بل تعني النضج. نحن لا نقيس النجاح بعدد الأدوية التي نوقفها، بل بجودة الحياة التي نحياها.
- الوسواس قابل للتهذيب: قد لا يختفي تمامًا، لكنه يمكن أن يخفت ويخضع إذا فهمناه وتعاملنا معه علميًا وروحيًا.
- التوازن متغير: اليوم قد نحتاج دواء، وغدًا قد لا نحتاجه. المهم أن نكون على وعي بأنفسنا ونراقب حالتنا باستمرار.
رسالة إلى من يمر بالتجربة نفسها
أقول لكل من يقرأني الآن: لا تجعل هدفك هو التوقف الكامل عن الأدوية، بل اجعل هدفك هو فهم نفسك، ومتى تحتاج إلى الدعم، ومتى يمكنك الاستقلال. فالعلاج النفسي ليس خطًا مستقيمًا، بل طريق مليء بالمنعطفات.
التوازن ليس غياب المرض، بل القدرة على التعايش معه دون أن يتحكم فينا. وأنا اليوم، بفضل الله، ثم بفضل الجرعة الصحيحة من الدواء المناسب، أعيش أيامًا أكثر هدوءًا، وأقترب كل يوم من نفسي التي كدت أن أنساها.
كلمة أخيرة
كل تجربة علاجية هي فصل جديد من كتاب الأمل. عدت إلى بعض الأدوية بعد أن توقفت عنها، لكني لم أعد كما كنت. عدت بوعي وتجربة وفهم أعمق. وأنا الآن أراقب حالتي، وأستشير طبيبي عند الحاجة، وأسير بخطى ثابتة نحو الشفاء.
رضا – مدونة دروس من الأمل