كنت دائمًا أقول لنفسي: لا بأس، حتى لو راقبني الناس، فأنا لا أراهم. كانت لدي تلك المسافة الآمنة بيني وبين نظراتهم، بيني وبين الشكوك. لكن في الأيام الأخيرة، الأسبوع الماضي تحديدًا، حصل شيء مختلف. كأن نافذة من القلق فُتحت فجأة، وبدأ الهواء الملوث يدخل إلى قلبي.
صرت أشعر أنني مراقب. ليس فقط في الشارع أو المقهى، بل حتى في بيتي. كأن أعين الجيران معلقة على جدراني، تراقبني، تحكم عليّ، تتحدث عني. كنت أعلم عقليًا أن هذا مجرد وسواس. لكن من قال إن الوسواس يسمع المنطق؟
الوسواس: حين يتحوّل الشعور إلى سجن
لم أكن مرتاحًا. أقوم من نومي وأنا مشدود. أمشي في منزلي كمن يخطو فوق الأشواك. أتحسس كل صوت خارجي كأنه موجّه لي. وفي الخارج، في الأزقة والطرقات، كنت أشعر أني هدف لكلام الناس… حتى وإن لم أسمع شيئًا.
هذا النوع من الوسواس ليس جديدًا عليّ. لكنه هذه المرة جاء بشكل ثقيل، لزج، يسرق الطمأنينة من كل لحظة. كأنني مطالب بالدفاع عن نفسي دون أن يُهاجمني أحد فعليًا.
الأدوية… هل كانت السبب؟
طوال الفترة الماضية، كنت أتناول أدوية كثيرة، بتوصية من طبيبي، وأنا منفتح دائمًا على العلاج والتعديل. لكنني بدأت ألاحظ شيئًا: بعض الأدوية التي يُفترض أن تهدئني، كانت تزيد عندي هذا النوع من الوسواس.
تحديدًا، كنت أتناول جرعة صغيرة من سيروكويل 25 ملغ ليلاً، إلى جانب سيرترالين. ولسبب ما، امتنعت عن تناول السيروكويل في إحدى الليالي، ويبدو أيضًا أنني نسيت جرعة السيرترالين في يوم آخر.
لم أكن أتوقع أن يحدث أي فرق… لكن حصلت المفاجأة.
وبدأت الطمأنينة تعود
منذ تلك الليلة التي لم آخذ فيها السيروكويل، واليوم الذي لم أتناول فيه السيرترالين، بدأت أحس بشيء جديد… شيء يشبه السلام. لا أقول إن الوسواس اختفى تمامًا، لكنه فقد أنيابه. لم يعد ينهشني.
قلبت الأمر مرارًا، وحللته كما أفعل دائمًا. وتذكرت شيئًا مهمًا:
أن الدواء لا يُقاس فقط بآثاره الطبية، بل بتأثيره على حريتك الداخلية.
والأهم من ذلك أنني لم أكن دون غطاء. فدواء واحد استمر معي، وكان له فضل واضح في هذا الاتزان: تجريتول.
تجريتول… حارس التوازن الصامت
من بين كل الأدوية التي تناولتها، كان تجريتول – بفضل الله – هو الأكثر ثباتًا في تأثيره. لا يُحدث صدمات، لا يطفئ عاطفتي، لا يثير الوسواس. بل يمنحني شعورًا بالثقل الداخلي الإيجابي، كأنني أرض صلبة لا تهتز.
كنت دائمًا أقول إن بعض الأدوية تخفف الألم، لكنها تأخذ معها شيئًا من الإنسان. أما تجريتول، فقد أعاد لي جزءًا من إنسانيتي… من هدوئي… من شعوري بالأمان، وهذا أعظم شيء.
لماذا هذه المرة كانت مختلفة؟
ربما لأنني لم أكن أقصد التجريب، بل كنت مدفوعًا بالإحساس، بالبحث عن "نقطة التوازن". وها أنا الآن، وبعد أن تركت السيروكويل وتراجعت جرعة السيرترالين دون قصد، أجد نفسي أكثر هدوءًا، أقل توترًا، وأقرب للطمأنينة.
هل أستمر على هذا المنوال؟ ربما. سأنتظر وأراقب. فأنا لم أعد أغيّر لمجرد التغيير، بل أفعل ما يُريحني ويعيد لي روحي، وهذا كل ما يهمني الآن.
قلبي الآن مطمئن
نعم، لأول مرة منذ أيام، وربما أسابيع، أشعر أنني أعيش بدون أن أُراقب، بدون أن أُحاكم. قلبي الآن مطمئن، لأنني لم أعد أقاوم كل فكرة، ولم أعد أفتش عن عيون الناس في كل اتجاه.
وهذا بحد ذاته، شفاء.
ليس بالضرورة أن يك