حين يتعود الناس على صبرك… يظنونه ضعفًا

 




حين تصبر طويلًا، وتتحمل كثيرًا، ولا تشتكي إلا لله، يبدأ من حولك شيئًا فشيئًا في التطبع على صبرك. لا يعودون يرون تعبك، ولا ألمك، ولا دمعتك التي كتمتها سنين. حين تتجنب المواجهة حفاظًا على السلام، يظنونك خائفًا. وحين تُؤثر الصمت رحمةً بنفسك وبهم، يظنونك بلا موقف…

أنا رضا، وقد تعبت. كتبت كثيرًا، وتحملت أكثر. ليس لأني ضعيف، بل لأني إنسان يعرف معنى العشرة، ويفهم لغة الود، ويقدّس الروابط التي تربطنا بأهلنا، وأقاربنا، ومن نحب.

لكن الصبر له حدود، والحد له صوت

كم مرة ابتلعتُ الغصّة وسكت؟ كم مرة قلت في داخلي: "كبرها تصغار"؟ وكم مرة ضحيت براحة بالي حتى لا أحرج أحدًا؟ ولكن، حين يتحول صبرك إلى عادة عندهم، لا يعود لهم مانع أن يزيدوك تعبًا. وإن ثرت مرة واحدة، قالوا: "ما بك تغيرت؟!"

أنا لم أتغير. أنتم من تعودتم على وجهي الحليم، وظهرتم بوجه لا يُطاق. قلتم إنني طيب، ولكنكم استغليتم طيبتي. قلتم إنني عطوف، ولكنكم كسرتم قلبي مرارًا دون اكتراث.

الوجع حين يأتي من الأقربين

أصعب شيء، أن يتكالب عليك القريب والغريب، فلا تدري مع من تُصافح ومن تتجنّب. لا تدري إن كنت تُحارب في بيتك، أم تحاول فقط أن تعيش بسلام وسط عاصفة من الأنانية وسوء الفهم. يوجعني أن أقول هذا… لكن أحيانًا، حين تُمرضك زوجتك نفسيا، وتجد أمك وإخوتك في صفّها لا في صفّك، تبدأ تتفكك داخليًا دون أن يشعر أحد.

لكني أقولها الآن: لن أبقى صامتًا بعد اليوم. لن أسمح لأيٍّ كان أن يجعل قلبي مطيّة. لن أكون ذاك الذي يواسي الجميع، ولا أحد يواسيه. لن أكون من يضحّي دومًا، ولا أحد يقدّر.

حان وقت الكتابة بدل القهر

لم أعد أحتمل قهر الصمت. سأكتب، وسأحكي، وسأنشر، لا للفضيحة، بل للفضفضة. لا للتشكي، بل للتوثيق. ولأن كثيرين مثلي… تعبوا من كثرة ما بلعوا الألم، وسكتوا عن الجراح. سأكتب، لأن هناك من يحتاج أن يقرأ ليفهم نفسه، ويطمئن أنه ليس وحده في هذا العالم الجاف.

ابني فقط هو عزائي

وسط هذا الزخم كله، لا أحد يراني بصدق سوى طفلي "جاد". صغير لكنه يحبني بصدق لا يعرفه الكبار. يتعلق بي لدرجة الإرهاق، ولكنني لا أزداد له إلا حبًا. حين يناديني باسمي "رضا" ببراءته، أنسى كل شيء. هو الوحيد الذي لا يخونني، ولا ينسى وجودي، ولا يُحمّلني فوق ما أطيق.

أدعو له كل ليلة، أن يحفظه الله، وأن يرزقه سعادة الدارين. لعله يكون الخير الحقيقي في حياتي، بعد كل هذا التيه العاطفي والخذلان المتكرر.

رسالة إلى كل من يظن أن صبري ضعف

أنا صبرت لأني راقٍ، لا لأني عاجز. سكتّ لأني أخلاقي، لا لأني خائف. سامحت لأني نقي، لا لأني لا أستطيع الرد. لكن حين سُدت كل الأبواب، قررت أن أتكلم. بصوت هادئ، لكن صارم. بكلمات موزونة، لكنها تمضي كالسيف.

اليوم، لم أعد أنتظر الاعتذار. لم أعد أرجو أن يفهمني أحد. من فهمني، فبها ونعمت. ومن لم يفهمني، فالله أرحم بي من خلقه.

لكل من يحمل مثلي وجعًا لا يُرى

اعلم أن ما تمر به ليس ضعفًا. بل هو دليل إنسانيتك. ولكن احذر، لا تجعلهم ينسون أنك بشر، لك حدود، ولك غضب، ولك كرامة. لا تفسد طيبتك، لكن لا تتركها في أيدي من لا يستحقها.

حين يتعود الناس على صبرك… ذكرهم بأنك اخترت الصبر، لا لأنك لا تملك القوة، بل لأنك تملك أخلاق الرجال الكبار. وإذا زادوك أذى، فاعلم أنك أنقى منهم… وأن الله لا يترك من كتم وجعه وباح به فقط لله.


رضا أبو جاد | حكاية أمل

تعليقات