حين غابت مشاعري خلف دواء… ثم عادت: كيف اكتشفت أن لامكتال يفاقم وسواسي ويُغيّب إنسانيتي
في عالم الأدوية النفسية، لا توجد وصفة واحدة تناسب الجميع. كل مريض له بصمته الخاصة، وكل دواء قد يكون نعمة لشخص ومعاناة لآخر. هذه حكايتي الشخصية مع دواء لامكتال (Lamotrigine)، وكيف اكتشفت أنه، رغم دوره في تثبيت المزاج، كان سببًا خفيًا في تعميق وسواسي وخنق مشاعري، حتى قررت التوقف عنه والانتقال إلى تجريتول (Tegretol).
عام من الاستقرار الظاهري
بدأت تناول لامكتال قبل عام تقريبًا، بوصفة من طبيب متخصص في الاضطرابات الوجدانية، وذلك لتثبيت المزاج ومواجهة نوبات الاكتئاب العميقة التي كنت أمر بها. وفي الحقيقة، أدى الدواء دوره في هذه الناحية: توقفت التقلبات المزاجية الحادة، واستقر مزاجي لفترة طويلة نسبيًا.
لكن شيئًا آخر بدأ يتسلل إليّ بصمت... الوسواس. لم يكن وسواسًا طفيفًا أو عابرًا، بل كان صوتًا داخليًا يذبحني. كنت أعيش حالة من الشك، من التوجس، من المراقبة المستمرة. كنت أشعر وكأن الناس جميعًا يتحدثون عني، يراقبونني، يفسّرون كل تصرفاتي. وهذا الشعور لم يكن مجرد أفكار عابرة، بل أصبح مع الوقت عقيدة داخلية موجعة.
الربط الصادم: هل كان لامكتال هو السبب؟
في البداية لم أربط بين الوسواس ولامكتال. ظننت أن هذه أعراض الفصام الوجداني، أو بقايا من صدمات نفسية. لكن مع مرور الوقت، ومع تتبعي الدقيق لحالتي، بدأت ألاحظ نمطًا مزعجًا: كلما التزمت بجرعة لامكتال، ازداد الوسواس. ومع كل نوبة وسواس، كانت المشاعر الحلوة تختفي: الحنان، الحب، حتى القدرة على الضحك من القلب، كانت تتلاشى تدريجيًا.
كنت حاضرًا جسديًا، لكن مشاعري منطفئة. أرى أحبتي ولا أشعر بشيء. أتحدث مع الناس كأنني آلة. ولأني إنسان شديد الملاحظة داخليًا، بدأت أدوّن هذه التغيرات وأبحث عن السبب.
المفترق: تجربة الجمع بين لامكتال وتجريتول
باقتراح من طبيبي، جربت إضافة تجريتول إلى الخطة العلاجية، دون إيقاف لامكتال. استمريت على الدواءين معًا 4 أو 5 أيام، دون تحسن في الوسواس. بل استمر ذلك الصوت الداخلي يهمس ويزعج، واستمر قلبي في التبلّد العاطفي.
وفي لحظة وضوح حاسمة، قررت بعد استشارة أن أوقف لامكتال بالكامل، وأبقى فقط على تجريتول. كان لدي إحساس داخلي قوي أن لامكتال هو الجاني الخفي. وقد كنت على حق.
التحوّل: صمت الوسواس وعودة الحياة
بعد التوقف التام عن لامكتال، لم يحدث التحسن فورًا. لكن بعد يوم أو يومين فقط، بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا ومريحًا: الوسواس يخرس… لأول مرة منذ شهور. كان كأنه مصدر ضجيج أُغلق أخيرًا.
ليس ذلك فقط، بل عادت إليّ مشاعري الجميلة تدريجيًا. بدأت أشعر بالحب تجاه أهلي، بدأت أشتاق إليهم، أفرح حين أراهم. لم أعد آلة، بل إنسانًا حيًا من جديد. حتى الأشياء الصغيرة – مثل شروق الشمس أو صوت عصفور – صارت تلمس قلبي مجددًا.
لماذا حدث هذا؟ رأيي الشخصي
لا أدّعي أن تجربتي تنطبق على الجميع، لكنني أعتقد أن لامكتال، رغم فوائده في تثبيت المزاج، قد يسبّب أعراضًا جانبية شبيهة بالوسواس عند بعض الأشخاص. ربما لأن تركيبته تؤثر على مراكز معينة في الدماغ متعلقة بالقلق أو الإدراك. وقد يكون هذا نادرًا، لكنه حصل معي بوضوح.
أما تجريتول، فقد أعطاني ما كنت أبحث عنه: ثبات نفسي دون خنق لمشاعري. إنه لا يسبب لي الوسواس، ولا يسلب مني طاقتي العاطفية. وهو في الوقت ذاته يُبقي مزاجي مستقرًا، دون نوبات هوس أو اكتئاب.
الدروس التي خرجت بها من هذه التجربة
- راقب نفسك بوعي: الأطباء مهمّون، لكن لا أحد يعرفك أكثر من نفسك. راقب الأعراض ودوّنها.
- كل دواء يحمل وجهين: ما يصلح لغيرك قد لا يصلح لك، والعكس.
- لا تتردد في التغيير بعد الاستشارة: التمسك بالدواء الضار بدافع الخوف ليس شجاعة، بل ظلم للنفس.
- المشاعر ليست ترفًا: لا تقبل بثبات مزاجي على حساب إنسانيتك.
كلمة أخيرة
هذه قصتي مع لامكتال وتجريتول. لا أكتبها لأنتقص من دواء، بل لأقول: لكل نفس خريطة خاصة بها. وما دام العلاج النفسي لا يزال فنًا بقدر ما هو علم، فلن تتضح الطرق إلا بالتجربة، وبالصبر، وبالاستماع العميق لما يقوله لنا جسدنا وروحنا.
أنا اليوم أكثر هدوءًا، أقل توترًا، وأكثر قدرة على الشعور. وهذا بحد ذاته، بعد معاناة طويلة، هو انتصار صغير… لكنه حقيقي.
رضا – مدونة سايكو