أقف اليوم في نقطة هادئة من عمري، وأتأمل المسار الطويل الذي مررت به. أتساءل: هل كانت تجربتي مع المرض النفسي رحلة حقيقية غيّرتني؟ أم أنها مجرد مرحلة عابرة بين الظلام والنور؟ هل خرجت منها بشيء جديد؟ أم أنني فقط تهت، وعدت لنفسي كما كنت، بلا دروس، بلا تحول؟
2003: بداية الظلام
في سنة 2003، بدأت أولى ملامح التغير داخلي. لم أفهم ما يحدث لي. لم أكن أعرف اسمًا لما أمر به، ولا وصفًا لما أشعر به. كل ما كنت أعرفه أنني لم أعد أنا. شيء فيّ انطفأ، وأصبحت أعيش بين الخوف والتشوش، بين الانغلاق على نفسي، والرغبة في الصراخ دون صوت.
سنوات التمرد
مرت سنوات طويلة كنت فيها أرفض العلاج، أرفض التشخيص، أرفض حتى الاعتراف بوجود مشكلة. لم أكن ضعيفًا، بل كنت خائفًا من أن أبدو ضعيفًا. حملت فوق ظهري ما لا يحتمل. أبدعت، كتبت، طالبت بحقي أمام البرلمان بعد الماستر، صرخت من أجل فرصة عمل، وواصلت معاركي، لكني كنت أخوضها وأنا منهك من الداخل.
2017: عودة البصيرة
ثم جاءت سنة 2017 كفاصل. لم تكن لحظة درامية أو معجزة، بل وعي بدأ يتسلل ببطء. رأيتني بوضوح لأول مرة. لم أُشفَ، لكنني بدأت أصدق أنني مريض، وأن هذا لا يقلل من قيمتي. فتحت الباب للعلاج، وتصالحت مع فكرة أن الأدوية ليست قيدًا، بل أحيانًا مَنفَذ للهواء حين يختنق صدري.
الكتابة... والدواء... والله
منذ ذلك الوقت، بدأت رحلة مزدوجة: - أتناول دوائي وأراقب نفسي. - وأكتب. أكتب عني، وعن خوفي، وعن فرحي، وعن الهوس، وعن لحظة راحة قصيرة أتمسك بها. وكلما تعبت، وجدت في علاقتي مع الله ما يربطني بالأمل.
ولكن الآن، وأنا هنا، في هذه اللحظة... أسأل
كل ما عشته… هل كان رحلة غيّرتني؟ نضجت فيها، وتهذبت، وصرت أكثر إنسانية وصدقًا مع نفسي؟ أم أنها كانت مجرد مرحلة… عصفت بي، ثم هدأت، لكني ما زلت أنا، بذات الهشاشة القديمة، وذات التقلّبات؟
أشعر أحيانًا أنني أقف بين الظلام والنور، لا هنا ولا هناك. في بعض الأيام، أكون ذلك الرجل المتصالح مع دوائه، الذي يعرف متى يطلب المساعدة ومتى يكتفي بنفسه. وفي أيام أخرى، أكون ذلك الفتى الذي ما زال يخاف أن يخرج من البيت، يخشى نظرة، ويرتعش من فكرة بسيطة.
ربما ليست رحلة… ولا مرحلة
ربما ما أعيشه ليس رحلة تنتهي، ولا مرحلة تمضي. ربما هي دورة حياة نفسية، فيها مدّ وجزر، قوة وضعف، نور وظلال. وربما أنا ببساطة إنسان، وهذا كافٍ.
رسالة لنفسي… ولكل من يسير مثلي
يا رضا، إن كانت رحلتك قد غيّرتك، فاشكر الله. وإن كانت مجرد مرحلة عابرة، فاشكر الله أنك اجتزتها. وفي الحالتين، أنت اليوم أكثر وعيًا، أكثر صدقًا، وأكثر قربًا من ذاتك الحقيقية.
ولكل من يقرأ هذه الكلمات ويشعر أنه عالق بين مرحلتين، بين انتكاسة وتحسن، بين قبول ورفض، بين دواء وقلق… أقول لك: الذي تمر به ليس عبثًا. الله يرى، ويفهم، ويسند.
رضا – مدونة سايكو | قسم "دروس الأمل"