بين التدخين والهوس: وهم الراحة وثمن الانفلات

 




في فترات الهوس، يبدو كل شيء أكثر لمعانًا: الأفكار تتسارع، الطاقة تتضاعف، والقرارات تُتخذ دون تروٍ. من بين تلك القرارات، كان التدخين أحد أكثرها ثباتًا في تجربتي. شعرت في وقت ما أن السيجارة هي صديقي الذي لا يخون، وملاذي في العاصفة... لكنها في الحقيقة، كانت تزيد من اضطرابي دون أن أدري.

تجربتي الشخصية مع الهوس والتدخين

أنا رضا، أعاني من الفصام الوجداني، وهو اضطراب يجعلني أتنقل بين قطبي الاكتئاب والهوس. في لحظات الهوس، كانت مشاعري مشتعلة، والكلمات لا تتوقف، والرغبة في الإنجاز أو الحديث أو حتى الصراخ لا تنطفئ. كنت أبحث عن شيء "يهدّئ"، لكن أيضًا يبقيني "مشتعلًا" بالحماس، ووجدت نفسي أتمسك بالتدخين.

ظننت أن السيجارة تساعدني على التركيز، على التوازن، أو حتى على الهروب من الأفكار المتلاحقة. لكنها لم تكن سوى وقود إضافي للنار التي تشتعل في داخلي.

كيف يزيد التدخين من أعراض الهوس؟

علميًا، التدخين يرفع من مستوى بعض النواقل العصبية في الدماغ مثل الدوبامين والنورأدرينالين، وهما نفس المادتين اللتين ترتفعان في نوبات الهوس. لذلك، التدخين في أوقات الهوس ليس تهدئة كما نعتقد، بل هو تعزيز للهوس وزيادة حدته.

في حالتي، كان الأمر واضحًا:

  • عندما أدخّن كثيرًا، يزداد اندفاعي وكلامي المفرط.
  • تقل قدرتي على النوم، ويزيد توتري.
  • أصبح أكثر عرضة للغضب والعصبية.
  • وفي النهاية، أدخل في دوامة من الإرهاق والتقلبات المزاجية العنيفة.

الراحة الكاذبة

في اللحظة التي أشعل فيها السيجارة، كنت أشعر براحة مؤقتة، كأنني أتنفس من جديد. لكن تلك "الراحة" كانت كمن يشرب من ماء البحر. كل نفس من السيجارة كان يُدخلني أكثر في التوتر، في تسارع القلب، في يقظة مزيفة لا تنفع العقل ولا الجسد.

وأحيانًا، حين كنت أتوقف عن التدخين فجأة، كانت تظهر عليّ أعراض انسحاب مزعجة تزيد من الارتباك والقلق، مما يدفعني للعودة مجددًا... وهكذا أُحبس في دائرة لا تنتهي.

ما الذي ساعدني على التغيير؟

لم يكن الأمر سهلًا، لكن هناك أمور ساعدتني على التحرر تدريجيًا من التدخين خاصة في فترات الهوس:

  1. الوعي: أدركت أن السيجارة ليست صديقًا، بل عدو يتنكر في شكل راحة.
  2. الدعم الطبي: مع تعديل الأدوية مثل استخدام أبليفاي وسبرالكس، بدأ مزاجي يستقر، وقلت الحاجة إلى التنفيس عبر التدخين.
  3. البدائل: استبدلت التدخين بالمشي، بشرب الزنجبيل أو النعناع، وبالتنفس العميق حين أشعر بالتوتر.
  4. التدرج: لم أقطع التدخين فجأة، بل بدأت بتقليل الكمية، خاصة في الفترات التي أكون فيها أكثر عرضة للهوس.

أثر الإقلاع على المزاج والهوس

بعد تقليل التدخين ثم التوقف عنه، بدأت ألاحظ تحسنًا واضحًا:

  • نومي صار أعمق وأهدأ.
  • العصبية قلت كثيرًا.
  • أعراض الهوس تراجعت في الحدة والسرعة.
  • شعرت بالتحكم في نفسي أكثر.

كلمة أمل

أكتب هذه التدوينة وأنا أعلم أن كثيرًا منّا يلجأ للتدخين للهروب من وجع لا يُرى. لكن أريدك أن تعرف، كما عرفت أنا، أن التدخين ليس دواءً، بل عبء إضافي. وأن التحرر منه، خاصة في فترات الهوس، هو بداية حقيقية لاستعادة التوازن والسكينة.

قد لا يكون الطريق سهلًا، لكنك حين تبدأ، سترى فرقًا حقيقيًا في نومك، في مزاجك، وفي قدرتك على التفاعل مع من تحب.

رضا – مدونة "دروس من الأمل"

تعليقات