بداية جديدة… لا مع العالم، بل مع نفسي

 





في مرحلة ما، توقفت فجأة وسألت نفسي: لماذا أحمّلها كل هذا؟ لماذا أُحمّلها ذنوب الآخرين؟ لماذا كلما جُرحت، لم أواسيها؟ وكلما خُذلت، لُمتها؟ وكلما قالوا عني شيئًا، صدّقتهم دون أن أدافع عنها؟

لقد عشتُ سنوات أحاول أن أُرضي الناس، أن أشرح لهم، أن أُبرر نفسي، أن أثبت أنني بخير، أنني واعٍ، أنني لا أعيش في أوهام. لكنني اكتشفت متأخرًا أنني كنت أقسو على نفسي أكثر منهم… أنني كنت أطفئ نور فراستي حتى لا أُتّهم بالوسواس، أخنق إحساسي حتى لا أُوصم بالمبالغة، وأُقلّل من ألمي حتى لا أبدو دراميًا.

اليوم… أريد أن أبدأ من جديد

لا أريد أن أُبرر نفسي لأحد. ولا أريد أن أشرح أعماقي لمن ينظر فقط إلى السطح. اليوم، أريد أن أبدأ صفحة جديدة… مع نفسي.

أريد أن أُسامحها على كل المرات التي لم أحتضنها فيها، على كل المرات التي قلت لها "أنتِ السبب"، بينما كانت تنزف وتحاول أن تصمد. أريد أن أُدللها، أن أستمع لها، أن أقول لها: "كنتِ شجاعة، كنتِ طيبة، ولم تخطئي حين صدّقتِ، ولا حين أحببتِ، ولا حين خفتِ."

لقد اكتفيت من تفاهات الآخرين

كم أرهقوني بتفاهاتهم! حين كانوا يرونني من خلال سيجارة، أو عزلة، أو نظرة تعب… ويختصرون أعوامًا من الألم في جملة واحدة تافهة: "هو منعزل"، "هو يدخّن"، "هو حساس"، "هو مريض لا يشعر".

لكنني كنت أشعر. كنت أشعر أكثر مما يتحمّله إنسان. كنت أُدرك أن لديّ صراعًا، ومع ذلك أحاول أن أكون إنسانًا صالحًا، لا مؤذيًا، لا كاذبًا، لا ناكرًا للواقع. لكنهم لم يروا ذلك. رأوا فقط ما يريدون أن يروه. واليوم، قررت أن لا أسمح لهم بالسكن في رأسي أكثر.

أريد أن أُفرغ رأسي… وأملأ قلبي

أريد أن أُفرغ رأسي من كل تعليق سخيف، من كل ملامة غير مُنصفة، من كل فكرة ترددت فيَّ سنين. أريد أن أكنس داخلي من ضجيج الناس، وأن أزرع فيه سكينة الله. أن أملأ قلبي بالحب… لنفسي أولًا، ثم لمن يستحق أن يصل إليه الحب.

لن أنتظر الاعتذار ممن جرحني، ولن أبحث عن تبرير لمن أساء فهمي، ولن أطلب تصديقًا من أحد. يكفيني أن أبدأ أنا بالتصديق. أن أصدق أنني أستحق السلام، وأني لم أخلق لأُعذّب ذاتي بتوقعات الآخرين.

صفحة جديدة… بيضاء

الصفحة التي أبدأها اليوم ليست صفحة ندم، بل صفحة وعي. هي إعلان حب صادق لنفسي، هي بداية طريق لا يمرّ بأعين الناس، بل بعين الله الذي يعلم كم حاولت، وكم تعبت، وكم صبرت.

سأمشي في هذه الصفحة ببطء… أتنفس فيها دون خجل، أبكي إن أردت، أضحك من قلبي إن استطعت، وأُسامح نفسي في كل مرة شعرت فيها أنها السبب… وهي لم تكن.

إلى من يقرأني الآن…

إن كنت مثلي، وتُفكر في بداية جديدة، فلا تنتظر لحظة مثالية. اللحظة المثالية هي الآن. سامح نفسك، دللها، خفّف عنها، وقل لها كما أقول لنفسي الآن: "أنا معك… ولن أتركك وحدك بعد اليوم."

تعليقات