حين عرفت أن انطفائي... هو مرضي الحقيقي

 

حين عرفت أن انطفائي... هو مرضي الحقيقي




لطالما ظننت أن وساوسي، خوفي من كلام الناس، وحتى انفعالاتي العصبية، هي المرض الحقيقي الذي أعانيه. كنت أراقب تلك العواصف العقلية وهي تعصف بي، وأقنع نفسي أنني بمجرد ما تهدأ، سأكون بخير. لكن الحقيقة ظهرت لي بشكل مختلف تمامًا... في لحظة صمت غير متوقعة، اكتشفت أن المرض لم يكن صاخبًا كما ظننت، بل كان في أقصى درجات الهدوء: انطفاء النفس.

ما هو هذا الانطفاء؟

إنه ليس حزنًا. ولا يأسًا. ولا حتى اكتئابًا بالمعنى التقليدي. هو شعور باللاشيء. كأنك حيّ بالجسد، لكن النفس غائبة. لا حماسة، لا دافع، لا رغبة في الحديث، ولا في الخروج. لا شيء يجذبك، ولا شيء يثيرك. تعيش اليوم فقط لأنك لم تنم بعد. تشرب الشاي بلا طعم، وتقرأ دون أن تعي، وتمشي وكأنك لست أنت.

هذا الشعور الخافت الذي لم أكن أعيره اهتمامًا، هو ما كان يجعلني أتهرّب من الذهاب إلى الدراسة، وأعتذر عن حضور اللقاءات، وأفضّل الانسحاب حتى من الأماكن التي كنت أحبها، كالمسجد أو المقهى. لم أكن أعلم أنني أنسحب لأن شيئًا في داخلي قد انطفأ.

الدواء... راحة أم خنق للشرارة؟

أنا أتناول دواء اسمه ميانسيرين. وهو فعال جدًا في تهدئة العصبية، وتقليل الهياج والقلق. وبالفعل، عندما آخذ ربع حبة فقط، أنام بعمق وتخفّ حدة التوتر داخلي. لكن المشكلة تبدأ عندما تتجاوز التهدئة حدّها... فبعد النوم، أستيقظ على تعب في الأعصاب، شعور بالثقل في الروح، وكأنني فقدت النور الداخلي.

لم أفهم هذا في البداية. كنت أظن أنني لا أزال متعبًا فقط. لكن مع الوقت، لاحظت أنني في الأيام التي لا آخذ فيها الدواء، رغم وجود بعض القلق، أشعر أنني "أنا"... حتى لو كنت مضطربًا قليلاً. أما حين آخذ الدواء بشكل متتالٍ، ينخفض التوتر، نعم... لكني لا أجد نفسي.

حين نبهني النقاش...

أدركت هذا الاكتشاف حين كنت أعبّر عن شعوري لشخص يفهمني. قلت له: "أنا مش مكتئب... بس كأني مطفي!" فضحك وقال لي: "هذا هو... الانطفاء النفسي." كلمة واحدة، لكن كأنها سلّطت ضوءًا على عمق المشكلة.

أحيانًا لا نكتشف المرض إلا حين ينسحب الدافع منّا. لا صوت داخلي يهمس، لا فكرة تدفعنا للأمام، لا رغبة في العودة. هذه اللحظة التي تبهت فيها النفس، هي أخطر من كل الوساوس، لأنها تسلبنا الحق في المقاومة.

الفطنة فوق الوسواس

ولأكون صادقًا، ما زالت تراودني أحيانًا تلك الوساوس القديمة: "الناس يتحدثون عني"، "نظراتهم موجهة نحوي"، "هم لا يحبونني". وأعترف أن بعض الإشارات فعلاً توحي بذلك، لكن الفارق الآن أنني لا أُعمّم. لا أقول إن كل البلدة تتحدث عني، ولا أسمح للفكرة أن تصبح حقيقة. هذا الإدراك ساعدني على استرجاع جزء من نفسي. وعلى أن أضع خيطًا رفيعًا بين الفراسة والوسواس، بين الفطنة والهلع.

إعادة الإشعال

اليوم، لم أعد أبحث فقط عن "دواء للنوم" أو "حبّة للراحة". أنا أبحث عن طريقة لإعادة إشعال روحي. خطوات صغيرة، مثل:

  • الكتابة عمّا أشعر به.
  • الخروج للمشي في الشمس حتى بدون مزاج.
  • الاستماع لموسيقى أحبها منذ الطفولة.
  • الاعتراف لنفسي: نعم، أنا منطفئ… لكنني لست ميّتًا.

أكتب لكم من هذا النور البسيط

قد لا يكون كل شيء بخير الآن، لكني بدأت أفهم. وأحيانًا، الفهم وحده كافٍ لتبدأ العودة. العودة من الانطفاء… إلى الحياة.

رضا

تعليقات