حينما زال الاكتئاب... وظهر الهوس: دروس من تجربتي مع الأدوية النفسية
أكتب هذه الكلمات اليوم وأنا أشعر بكثير من الامتنان، ولكن أيضًا بشيء من الحذر. فبعد أشهر من الألم النفسي، والقلق، والانطفاء، بدأت أتنفس من جديد. لقد زال الاكتئاب. ومع زواله، بدأ شيء آخر يظهر، شيء يشبه النشاط، لكنه أحيانًا يفيض عن الحد... إنه الهوس الخفيف.
أبليفاي وسبرالكس: مزيج النجاح... ولكن؟
حين وصف لي الطبيب دواء أبليفاي (Aripiprazole) إلى جانب سبرالكس (Escitalopram)، شعرت أنني أخيرًا بدأت أخرج من العتمة. تحسنت شهيتي للحياة، خفّ القلق، وبدأت أسترجع طاقتي. بل حتى الوساوس التي كانت تفتك بي بدأت تخفت تدريجيًا.
كان مفعول الدواءين رائعًا، لكن مع مرور الأيام، بدأت أشعر أن هناك شيئًا جديدًا يتشكل بداخلي. طاقتي أصبحت زائدة عن الحد. كلامي كثير. أتحرك بسرعة. أشعر كأنني أستطيع فعل كل شيء في يوم واحد. ومع أن الأمر يبدو إيجابيًا من الخارج، إلا أنني في قرارة نفسي أعرف هذا الشعور... أعرفه جيدًا. إنه الهوس الخفيف.
هل تسبب الأدوية الهوس؟
في اضطراب الفصام الوجداني مثلي، الأدوية قد تكون سيفًا ذا حدين. بعض مضادات الاكتئاب مثل سبرالكس يمكن أن ترفع المزاج أكثر من اللازم إذا لم تُستخدم بحذر، خاصة إن كان المريض أيضًا يتناول دواء منشطًا نسبيًا مثل أبليفاي.
أنا لا ألوم الدواء. على العكس، أُدرك تمامًا أنه ساعدني كثيرًا في تجاوز الاكتئاب. لكن تجربتي علمتني أن كل دواء يجب أن يُراقب بدقة، وأن الراحة النفسية لا تعني دائمًا أنني على الطريق الصحيح... بل قد تكون مقدمة لانزلاق خفي نحو الهوس.
ما الذي شعرتُ به؟
- نومي بدأ يقل، ومع ذلك لم أشعر بالتعب.
- أصبحت أكثر اندفاعًا في الكلام واتخاذ القرارات.
- أحسست بفرط في الثقة، بل وربما شيء من العصبية والهيجان.
- أحيانًا كانت الأفكار تتسارع، وأشعر كأن دماغي لا يتوقف.
هذه العلامات لم تكن واضحة من البداية، لكنها تراكمت تدريجيًا، حتى انتبهت لها. وقررت أن أتحدث عنها، لأن كثيرين من المرضى لا ينتبهون لتحولاتهم المزاجية، خاصة إذا كانت تبدو "أفضل" من الاكتئاب.
العودة إلى التوازن: التوقف التدريجي عن سبرالكس
بعد التفكير والمراقبة، قررت بالتدريج أن أتوقف عن سبرالكس، لأن أبليفاي لوحده كان كافيًا لتحسين مزاجي. بل وأشعر أحيانًا أنني لا أحتاج سوى دعم خفيف مثل جرعة صغيرة من لاروكسيل وقت الحاجة، خاصة للنوم أو التهدئة.
أنا لا أدعو أحدًا لأن يُجرب ما فعلته دون الرجوع لطبيبه. لكنني أشارك تجربتي بصراحة، لأنني أعلم أن هناك من يمر بنفس ما مررت به، ويحتاج من يخبره أن الحذر مطلوب حتى من الأشياء التي تشعرك بالراحة.
ما الذي ساعدني على مراقبة حالتي؟
- الكتابة اليومية: أسجل يومياتي، مشاعري، نومي، وحركتي. هذا كشف لي بداية الهوس قبل أن يتفاقم.
- الصدق مع الذات: لم أُخدع بنشاطي الزائد، بل نظرت له بعين من سبق له أن مرّ بنوبات مماثلة.
- التوازن في الأدوية: لم أُفرط في الأدوية، ولم أتوقف فجأة. بل راقبت، وقلّلت بحذر.
دروس من الأمل
في كل تجربة، هناك درس. واليوم، أقول لنفسي ولكم:
- لا تفرح بتحسن المزاج فقط، بل راقب أسبابه وحدوده.
- كل دواء مفيد، بشرط أن يُستخدم باعتدال وتوازن.
- الهوس ليس راحة، بل خداع مؤقت يجب الانتباه له.
- الشفاء الحقيقي ليس في الشعور بالراحة فقط، بل في الاستقرار طويل الأمد.
أنا الآن أعيش مرحلة من التوازن، بعد تقليل الأدوية، واستبدال بعضها، ومراقبة حالتي بعين الصدق. وهذا لم يكن ليحدث لولا فضل الله، ثم التجربة والتأمل والمتابعة المستمرة.
رضا – مدونة "دروس من الأمل"