بين الرغبة في القرب والانسحاب: الصراع الصامت في داخلي

 






أحب أن أكون اجتماعيًا. أحبّ دفء الجلسات البسيطة، وحديثًا عابرًا على فنجان شاي، وابتسامة تبادلني إياها روح أخرى تُشعرني بأني مرئي، مسموع، موجود. هذا هو أنا الحقيقي. لكنّي، للأسف، لا أستطيع أن أكون هذا الشخص كل الوقت. لأن هناك شيئًا ما في داخلي، شيئًا صاخبًا، ملتهبًا، متوتّرًا، يدفعني نحو العزلة كلما اقتربت من الضوء.

ضجيج الداخل

إنه ضجيج لا يسمعه أحد. خليط من وساوس خفية، وأفكار مقلقة، وارتباك حاد بين ما أريده فعلاً وما يخيفني. في الخارج، قد أبدو هادئًا، متحفظًا، وربما باردًا. لكنّ الحقيقة أني في الداخل في حالة طوارئ مستمرة.

تجعلني هذه الحالة أحيانًا أتهرّب من الحديث، أو أختصر جملتي، أو أنسحب فجأة من جمع بشري لطيف. ليس لأنني لا أحبهم، بل لأنني لا أحتمل ما يدور في رأسي حين أكون معهم.

الفصام والرهاب والوسواس: تحالف ضد العلاقات

الفصام الوجداني الذي أتعالج منه، متشابك بشكل معقّد مع وسواس قهري ورهاب اجتماعي. كأنها ثلاث قوى تتعاون أحيانًا وتتضارب أحيانًا أخرى، لكن نتيجتها واحدة: إنهاك نفسي، وانسحاب اجتماعي، وشعور بالذنب بعد كل لقاء فوتّه أو صديق ابتعدت عنه دون تفسير.

أشعر أحيانًا أنني أُحب الناس أكثر من قدرتي على الجلوس معهم. أحنّ إليهم من بعيد، وأخاف الاقتراب.

الدواء كجسر لا بد منه

ساعدتني الأدوية التي أتناولها على بناء جسر نفسي يربطني بالحياة من جديد. أدوية مثل:

  • سوليان 200 مغ صباحًا ومساءً
  • أبليفاي 15 مغ
  • سيرترالين 25 مغ
  • سيبرالكس 10 مغ
  • لاميكتال 100 مغ
  • ميانسيرين (نصف حبة ليلية)
  • سيروكويل 25 مغ

كل هذه الأدوية تُؤخذ تحت إشراف طبي مباشر، وهي ليست مثالية دائمًا، لكنّها ساعدتني على تقليل حدّة الضجيج الداخلي، وعلى الأقل منحتني القدرة على التواجد.

بين العزلة والاشتياق

لا تمرّ عليّ جلسة مع الآخرين دون أن أشعر بتعب داخلي بعدها. لكن في الوقت ذاته، لا تمرّ عليّ أيام العزلة دون أن أشتاق لتلك الجلسة نفسها. هو صراع متواصل بين نفسي التي تريد العافية، ونفسي التي تريد النجاة بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو الانسحاب.

أحيانًا أجلس وحيدًا في مقهى، أراقب الناس وأشرب قهوتي على مهل، أضع سماعات الأذن لأفصل نفسي عمّا حولي قليلاً. هذه الطريقة تجعلني أشعر أنني جزء من العالم، ولو من بعيد. وأحيانًا، أذهب مع صديق قديم، فأرتاح نصف اللقاء، وأتوتر في نصفه الآخر.

كلمة لمن يعاني مثلي

إذا كنت تعيش هذا التناقض، فاعلم أنك لست وحدك. نحن كثيرون. نحمل قلوبًا محبة، وعقولًا مرهقة. ليس عيبًا أن تحب الناس وتخاف منهم في الوقت نفسه. ليس ضعفًا أن تشتاق وتنسحب. هذه طبيعة المرض، وليس طبيعتك أنت.

المهم ألا تستسلم. واصل البحث عن توازنك، عن طريقتك الخاصة في التواصل. تقبّل نفسك كما هي، واعرف أن لكل لحظة هدوء داخلي قيمة عظيمة تستحق الاحتفاء.

تنبيه مهم: جميع الأدوية المذكورة أعلاه تُؤخذ تحت إشراف طبي مباشر، والغرض من المقال مشاركة تجربة شخصية فقط، وليس تقديم وصفة علاجية.

رضا أبو جاد | حكاية أمل
مدونة سايكو2 - قسم: ضوء في اخر النفق

تعليقات