لم أكن أتصور يومًا أن شيئًا صغيرًا بهذا القدر… نصف حبة دواء… سيكون له هذا الأثر العميق في داخلي. اعتدت دائمًا أن أبحث عن التوازن في جرعاتي، وكنت كثيرًا ما أظن أن الشفاء لا بد أن يكون بجرعات أكبر أو تدخلات أقوى. لكنّ الأيام تعلّم، والتجربة تُهذّب، والدواء الصغير إذا أُعطي في الوقت المناسب، يصنع المعجزات.
كنت قد أوقفت السيبرالكس منذ فترة، حين خفّ الوسواس بشكل مفاجئ بعد توقفه، لكنّي فوجئت بعودة الاكتئاب. لم يكن عنيفًا، لكنه ثقيل، يُطفئ الألوان من حولي، ويطفئ معها حتى رغبتي في مواصلة المعركة.
لحظتها، فكرت أن أجرّب شيئًا أخيرًا قبل أن أستسلم لمزاجي: أن أتناول نصف حبة فقط، أي 5 ملغ. لا جرعة كاملة، لا مغامرة… فقط نصف خطوة إلى الأمام.
لماذا نصف حبة؟
لأنني أعلم أن جسدي ليس كأجساد الناس، وأنني لا أطلب سوى لمسة خفيفة من التوازن. لا أريد طاقة زائدة تفتح باب الوسواس، ولا فتورًا يجعلني أتثاقل عن كل شيء. أردت فقط تلك المنطقة الهادئة في المنتصف. نصف حبة كانت محاولة لاختبار هذا الاحتمال.
واليوم، بعد مرور عدة ساعات من تناول الجرعة، أكتب هذه الكلمات بعقل صافٍ، وروح أكثر رقة، ومزاج أقل ظلمة. شيء في داخلي هدأ، كأن الصوت الداخلي المُرهق جلس قليلًا ليرتاح.
بلسم خفيف… لا يوقظ الضجيج
توقفت مع نفسي وتساءلت: ما الذي يجعل نصف حبة فقط تفعل كل هذا؟ الجواب بسيط ومعقد في آن واحد. إنها الجرعة المُخصصة لي وحدي. جرعة لا تُقاس بالأرقام فقط، بل بتفاعل الجسد والروح معها. كنت بحاجة فقط إلى لمسة ترفعني، لا إلى دفعة تُغرقني.
وهذا ما فعله السيبرالكس بجرعة 5 مغ: أراحني من الشعور الثقيل بالاكتئاب، دون أن يوقظ فيّ وحش الوسواس.
ما بين الاكتئاب والوسواس… مساحة للسلام
في تجربتي الطويلة، دائمًا ما كنت أتنقل بين كفتين: كفة الوسواس الذي يشتعل في ذهني، وكفة الاكتئاب الذي يسحبني للأسفل. وكم مرة استعنت بالدواء الخطأ في الوقت الخطأ، فهربت من اكتئاب لتقع في فخ الوسواس، أو العكس.
لكن مع مرور الوقت، ومع تتبعي لنفسي وتحليلي الدقيق لحالتي، أصبحت أعرف بالضبط متى أحتاج التدخل، ومتى أترك جسدي يعيد ضبط نفسه. واليوم، وجدت في هذه "النصف حبة" المساحة الآمنة التي أبحث عنها منذ سنين.
لا عيب في التجريب الواعي
البعض يظن أن من يجرب في أدويته تائه، أو غير مستقر. لكنّي أقول بثقة: التجريب الواعي دليل على وعي أعمق بالحالة. الطبيب يرشد، نعم، لكن الجسد لا يكذب. وكل تجربة تُضيف إلى معرفتي بنفسي، وتُقلص مساحات الخوف داخلي.
أنا لا أخاف من الدواء، بل أتعامل معه كأداة مساعدة. لا أنظر إليه كعدو ولا كمنقذ مطلق. وإنما أتعامل معه باحترام، وبحب لنفسي. واليوم، أحببت نفسي أكثر لأنني استمعت إليها حين همست لي: "جرّب فقط نصف حبة".
ليس المهم كمية ما نأخذه… بل كيف نأخذه
أكتب هذه التدوينة، وأنا أبتسم بامتنان. نصف حبة صنعت فرقًا. لم ترفعني إلى السحاب، ولم تتركني في الوحل. فقط رفعتني كفاية لأقف على قدميّ وأتنفس من جديد.
نعم، أحيانًا لا نحتاج أن ننتصر بصوت عالٍ، ولا نحتاج لأجنحة كي نطير. أحيانًا، يكفينا أن لا نسقط. وأن نجد في جرعة صغيرة معنى كبيرًا… معنى يشبه: "أنا ما زلت أقوى من مرضي".
رضا أبو جاد | حكاية أمل