كيف أنقذني تجريتول من جحيم الوسواس وأعادني إلى الحياة

 

كيف أنقذني تجريتول من جحيم الوسواس وأعادني إلى الحياة




في مسيرتي مع المرض النفسي، عرفت الألم بصوره المختلفة، لكن ما لم أتخيله يومًا هو أنني سأجد نفسي في مواجهة وسواس قهري لا يرحم، يطاردني في كل لحظة، ينهش راحتي، ويسلب مني حريتي ومشاعري. كان جحيمًا حقيقيًا، وإن بدا وهميًا في نظر الآخرين. لكن بفضل الله، ثم بفضل تجربة دوائية مفصلية، وجدت أخيرًا طريقًا إلى الهدوء الداخلي. أكتب هذه الكلمات بعد أن بدأت أستعيد نفسي، وأسترجع مشاعري، وعلاقتي الطيبة بأمي... بعد أن كاد كل شيء يضيع.

مرحلة ما قبل التغيير: الوسواس القهري يلتهمني

في البداية، كنت أتناول دواء لامكتال (Lamictal) لمدة عام تقريبًا، وكان له دور واضح في تثبيت المزاج. لكنه، مع مرور الوقت، بدأ يُظهر لي وجهًا آخر. كنت أشعر باستقرار ظاهري، لكن داخليًا، كانت نيران الوساوس تزداد اشتعالًا. أصبح لدي يقين داخلي، بعد التجربة، أن الوسواس كان من الأعراض الجانبية لهذا الدواء في حالتي الخاصة. لم يكن وسواسًا عاديًا، بل كان عذابًا مبينًا، يطحنني من الداخل، ويفقدني الإحساس بجمال الحياة وبالمشاعر التي تربطني بمن أحب.

تجربة المزج بين لامكتال وتجريتول

قررت بتوجيه طبي تجربة الجمع بين لامكتال وتجريتول (Carbamazepine). لكن رغم مرور أربعة أو خمسة أيام، لم أشعر بأي تحسن يُذكر. كان الوسواس حاضرًا، يصيح في رأسي، ويقيدني، ويهزّ ثقتي في كل شيء.

لحظة القرار: التوقف عن لامكتال

بشيء من التردد والخوف، قررت التوقف عن لامكتال تمامًا، والاستمرار فقط على تجريتول. ومنذ اليوم الأول بعد التوقف، بدأ الضجيج الوسواسي يخف شيئًا فشيئًا. كنت أراقب نفسي بدهشة، كأنني أخرج من زنزانة كنت فيها طويلًا دون أن أدري. وبعد مرور ساعات، كنت أستمع إلى ما تبقى من الوسواس، فأجده يهدأ، يضعف، ثم يخرس أخيرًا.

عودة الروح: المشاعر تنهض من جديد

لعل أكثر ما آلمني في فترة الوسواس هو اختفاء مشاعري. لم أكن أشعر بالحب، ولا بالتعاطف، ولا بالدفء العاطفي مع من حولي. كنت جسدًا يتحرك، لكنه مفرغ من كل إحساس. واليوم، بعدما ثبتني تجريتول، بدأت مشاعري الجميلة تعود تدريجيًا. بدأت أشعر من جديد بحبي لأمي، وحنيني لأهلي، وراحتي بينهم. عادت لي القدرة على التفاعل، على الابتسام، وعلى الحديث بهدوء وسكينة.

الراحة في النوم والمزاج

جانب آخر لا يقل أهمية هو النوم. كنت أعاني من الأرق واضطراب في الراحة الليلية، لكن مع تجريتول، أصبح النوم عميقًا، مستقرًا، وكأن جسدي أخيرًا وجَد ما يحتاجه لينطفئ بسكينة. المزاج كذلك هدأ، ولم أعد أعيش تلك التقلّبات الحادة التي كانت تنهكني وتنهك من حولي.

دروس من قلب المعاناة

  • ليس كل ما يثبت المزاج يناسب الجميع: فلامكتال قد يكون فعالًا لغيري، لكنه كان سببًا لوسواس قاتل في حالتي.
  • الإنصات للجسم والعقل: حين يستمر الألم رغم العلاج، يجب التوقف والتأمل، وسؤال النفس: هل هذا فعلاً ما يناسبني؟
  • الأمل ممكن: حتى في أقسى لحظات الانهيار، قد يحمل اليوم التالي بداية جديدة.
  • العلاقات تعود حين نعود: حين عدت إلى نفسي، عادت إليّ علاقتي الطيبة بأمي، وهذا وحده يكفي ليشعرني أني على الطريق الصحيح.

كلمة أخيرة

أكتب هذه السطور وأنا ممتن لله، ثم لتجربتي مع تجريتول، التي أعادتني إلى الحياة. أعلم أن الدواء ليس معجزة، وأن المتابعة الطبية ضرورية، لكني أقول لكل من يعاني: لا تيأس. ربما يكون الشفاء في خطوة بسيطة لم تجرّبها بعد. وربما تكون راحة بالك، أقرب مما تتصور.

تعليقات