حين يغلب الضوءُ الظلمة: كيف تعلمت أن أقاوم انهياري الداخلي؟

 




في لحظة ما من حياتي، لم أعد أعرفني. كنت أعيش في جسدي، لكن روحي تسكن في مكان بعيد، ضائع، مثقل بالأسى. لم يكن هذا مجرد حزن عابر أو نوبة اكتئاب مؤقتة؛ كان الأمر أعمق من ذلك. كان انهيارًا داخليًا، صامتًا، يأكلني من الداخل دون صوت. ومع أن العالم حولي كان صاخبًا، مزدحمًا، إلا أنني كنت وحيدًا تمامًا... إلا من فكرة واحدة: أن أستسلم.

الفصام الوجداني: صراع بين النقيضين

لم يكن من السهل أن أفهم نفسي، أو أن أشرح للآخرين ما أمرّ به. كان الفصام الوجداني يسحبني إلى دوامة من الانفعالات المتناقضة. لحظات أكون فيها ممتلئًا بالطاقة، ثم فجأة أُطفأ تمامًا. كنت أشعر أن رأسي ليس لي، أن أفكاري ملكُ شيء آخر يتكلم من خلالي ويقودني حيث لا أريد.

وما زاد الطين بلة، هو اكتئاب ما بعد النوبات. كأنني كنت أُلقى من شاهق، ثم أُترك على الأرض محطمًا، أتأمل السقف وأتساءل: هل سأنهض من جديد؟

عندما بدأت أبحث عن النور في داخلي

في إحدى الليالي، كنت أجلس على الأرض في غرفتي، قلبي مثقل، ودموعي لا تتوقف. قلت لنفسي: "إما أن أكتب كي أتنفس، أو أنتهي بصمت". وأمسكت هاتفي وبدأت أكتب. لم أكن أكتب للناس، بل كنت أكتب لنفسي، لطفلي الداخلي، لذلك الجزء المكسور مني الذي كان يصرخ منذ سنين ولم يسمعه أحد.

وهكذا بدأت رحلتي مع الكتابة كعلاج. ومع الوقت، اكتشفت أن الكلمات التي كنت أظنها مجرد أنين، بدأت تتحول إلى رسائل أمل. لم تكن القوة في أنني كنت بخير، بل في أنني كنت أقول "أنا أتألم"، وأكمل طريقي رغم ذلك.

دروس من هذه الرحلة المظلمة

  1. لا تخجل من مرضك النفسي: الفصام أو الاكتئاب لا يجعلانك أقل إنسانية، بل ربما أكثر وعيًا وأعمق إحساسًا.
  2. شارك وجعك مع من يفهمك: ليس كل من حولك سيفهم، لكنك ستجد من يصغي، ولو حتى في كلماتك على ورقة.
  3. احضن نفسك عندما يتخلى عنك الآخرون: لا بأس أن تكون وحدك أحيانًا، المهم ألا تكون ضد نفسك.
  4. الأمل لا يأتي دفعة واحدة: إنه كخيط ضوء يدخل من شق صغير، لكنه يكفي لتبصر الطريق.
  5. كل يوم تنجو فيه، هو نصر: لا تستهن بقدرتك على الصمود، حتى إن لم يشعر بها أحد.

رسالة إلى من يقرأني الآن

أكتب لك هذه الكلمات، لا بصفتي شخصًا تعافى تمامًا، بل بصفتي إنسانًا ما زال يتعلم كيف يتنفس وسط الغرق، كيف يبتسم في وجه ظلاله، كيف يقول: "أنا هنا، رغم كل شيء".

لا تستسلم، حتى لو كان الألم ثقيلًا. يكفي أنك ما زلت تقرأ هذه الكلمات. وهذا بحد ذاته، يعني أنك تحاول. ومن يحاول، لا يُهزم أبدًا.

– رضا، من بين الرماد، يكتب نورًا.

تعليقات