حين صدّقت نفسي أخيرًا… بدأ الشفاء
سنوات طويلة قضيتها وأنا في صراع صامت مع نفسي. كل إحساس أعيشه كنت أضعه تحت المجهر: "هل هذا حقيقي؟ أم أنا أتوهم؟ هل هذه فراسة؟ أم وسواس؟ هل هذا الخوف مبرر؟ أم مرض؟"
كنت أرتبك أمام كل شعور، كل إشعار داخلي، كل نبض لا يُفسَّر منطقيًا. وأتعبني هذا الشك… ليس في الآخرين، بل في نفسي.
كنت أتعامل مع ذاتي وكأنها متهمة باستمرار، وأن دوري هو أن أُحاكم كل فكرة تمر بي، حتى لا أظلم أحدًا، حتى لا أُخطئ، حتى أُثبت أنني واعٍ.
كل شيء تغيّر… عندما قررت أن أصدق نفسي
جاء يومٌ توقفت فيه فجأة، وسألت نفسي بصراحة: "لماذا لا تصدّقها؟ لماذا لا تثق أن ما تشعر به حقيقي؟ لماذا تُشكك في نفسك كل هذا الشك، بينما تُعطي الآخرين كل مساحة البراءة؟"
حينها، شيء داخلي انكسر… وشيء آخر بدأ في الالتئام. قلت لنفسي: "يكفي. اليوم، أصدقك. حتى لو أخطأتِ، سأحميك، سأفهمك، ولن أتهمك بعد الآن."
الشفاء لا يبدأ من الخارج… بل من الداخل
الشفاء لم يبدأ حين اعتذر من ظلمني، ولا حين تغيّر من خذلني. بدأ حين تغيّرت أنا مع نفسي. حين تحولت من خصمٍ لها إلى صديق. من قاضٍ قاسٍ إلى صدرٍ يحتويها.
بدأ الشفاء حين سامحتها على كل المرات التي لم تُدافع فيها عن نفسها، وعلى كل مرة سكتت فيها عن إحساسها خوفًا من أن يُقال "تبالغ".
بدأ الشفاء حين قلت: "حتى لو كنت مخطئًا… أنا أستحق أن أُحتضن، لا أن أُجلد." و"حتى لو كنت مُرهقًا… أنا أستحق أن أرتاح، لا أن أُتّهم بالكسل."
الثقة بالنفس لا تعني إنكار المرض
أنا لا أنكر أنني مريض. لكن المرض لا يُلغي حقي في أن أصدق إحساسي. ولا يُلغي قدرتي على أن أميّز بين الصوت الحقيقي والصوت المشوش. أحيانًا يكون الشفاء في أن تتعلم كيف تسمع نفسك بصدق، لا أن تُخرسها دومًا باسم الواقعية أو الوعي الزائد.
اليوم، أنا أصدق نفسي. ولا أخجل إن خُذلت، ولا أرتبك إن خِفت، ولا أُجلد إن بكيت. لأنني إنسان، لا آلة مثالية، ولا حالة سريرية مُفرغة من المشاعر.
ضوء في آخر النفق: أنا صادقة… حتى في ضعفي
حين بدأت أصدق نفسي، تغير كل شيء: خفّ القلق، تراجع الضغط، أصبحت أتعامل مع ذاتي بلطف. صرت أقول لنفسي: "أنتِ صادقة… حتى حين تكونين خائفة، أو صامتة، أو حائرة. لأن الصدق لا يعني القوة الدائمة… بل يعني ألا تخون ما تشعر به."
من يومها، بدأت أنمو من جديد. لم أعد أبحث عن إذن من أحد لأكون كما أنا. فأنا كافية، وصادقة، ومستحقة للحياة… كما أنا.
إلى من يشك في نفسه اليوم…
ربما تكون لحظة صدق واحدة مع نفسك، كافية لتبدأ رحلتك نحو الشفاء. لا تنتظر أن يُصدقك العالم، صدّق نفسك أولًا… وراقب كيف يتغيّر كل شيء بعدها.