حين يعود السلام إلى النفس: تجربتي في تقليل الأدوية بثبات واستقرار
في رحلة العلاج من الاضطرابات النفسية، هناك محطات مظلمة، وأخرى مضيئة تنبع منها طمأنينة لا تُقدّر بثمن. بعد سنوات من الصراع مع الفصام الوجداني والوسواس، وتجارب متعددة مع أدوية كثيرة، وصلت أخيرًا إلى توازن لم أكن أحلم به. هذا المقال توثيق شخصي صادق، لما مررت به من ألم، وكيف ساعدتني خطوات بسيطة في العودة إلى نفسي.
البداية: فوضى الأدوية وتشوش المشاعر
لفترة طويلة، كنت أتناول مجموعة من الأدوية في آنٍ واحد: سوليان، لامكتال، سيروكويل، ليثيوم، أبليفاي، وسيرترالين. كل دواء كان له غرضه، لكن مع مرور الوقت شعرت أنني أعيش في ضباب. المشاعر منطفئة، الوسواس يشتد، والنوم يتقلّب. كنت أحاول أن أستقر، لكن شيئًا ما لم يكن يعمل كما يجب.
الوسواس تحديدًا كان يعذبني. أصوات داخلية توهمني أن الناس تتحدث عني، تحللني، تراقبني. كنت أشعر بالعزلة حتى بين من أحب، كأنني محكوم عليّ بالعذاب في عالم لا يسمعني فيه أحد. لكن بداخلي ظل هناك أمل ضعيف بأن التوازن ممكن، وأنني فقط لم أجد التوليفة المناسبة بعد.
من لامكتال إلى تجريتول: التحول المفصلي
بعد عام كامل من استعمال لامكتال، لاحظت شيئًا غريبًا: رغم أن مزاجي تحسن نسبيًا، إلا أن الوسواس ازداد حدة. وعندما جمعت بينه وبين تجريتول لأيام معدودة، لم يتغير شيء. لكن حين توقفت عن لامكتال تمامًا، وواصلت فقط مع تجريتول، بدأت المعجزة.
في غضون أيام، بدأت ألاحظ سكونًا حقيقيًا في داخلي. الوسواس الذي كان يذبحني بدأ يهدأ، ثم يخفت، ثم يصمت. شيء لم أعهده منذ سنوات. المشاعر التي افتقدتها عادت بهدوء: محبة لأهلي، دفء تجاه والدتي، وحنين للحياة. حتى النوم تغيّر؛ أصبحت أستغرق فيه بسهولة، وأستيقظ أكثر راحة.
تقليل الأدوية بثبات: القرار الشجاع
مع تحسن حالتي، قررت بالتنسيق مع ذاتي وبمراقبة دقيقة أن أُخفّض الأدوية. أوقفت الليثيوم وسيروكويل وسيرترالين، وقللت سوليان إلى الحد المناسب لي. في المقابل، رفعت قليلاً من جرعة تجريتول، الذي أثبت لي أنه دواء “ولد الناس”، كما نقول بالمغاربية.
بفضل الله، لم يحدث أي تدهور. بالعكس، شعرت بثبات مزاجي وصفاء تفكيري، وتحسّن عام في نوعية حياتي. لم أكن بحاجة إلى كومة من الأدوية لأعيش، فقط كنت بحاجة إلى التوازن الصحيح الذي يناسب حالتي.
لحظة الصدق: عدت إلى سوليان
رغم أنني حاولت التوقف عن سوليان نهائيًا، إلا أنني سرعان ما شعرت أن المزاج بدأ يضطرب، وعيني كأنها ترى ظلامًا من جديد. وعدت إليه في صباح اليوم التالي، فكانت المفاجأة: كل شيء عاد إلى نصابه. شعرت بالنور يتسلل إلى أعماقي، وكأن سوليان يعيد لي توازني العصبي، دون أن يطفئ مشاعري.
الدروس التي خرجت بها
- التوازن أغلى من الكمية: ليس المهم عدد الأدوية، بل مدى مناسبتها لي.
- الوسواس وهمي، لكنه موجِع: وحين يخفت، أشعر كأنني تحررت من سجن لا مرئي.
- لا دواء سحري وحده: بل مجموعة متوازنة، يقودها إدراك الذات والتجربة.
- المشاعر علامة التعافي: حين بدأت أحب من حولي من جديد، عرفت أنني أعود إلى الحياة.
كلمة ختامية
لكل من يمر بتجربة مشابهة، أقول: لا تفقد الأمل. قد يأخذ الأمر وقتًا وتجارب مريرة، لكن الله لا يترك من يسعى للشفاء. التوازن ممكن، والسكينة قريبة، فقط تمسّك بالنور حين يلوح في قلبك، ولو كان ضعيفًا. أما أنا، فعدت لنفسي بعد غياب طويل، وسأحافظ على هذا المكسب بكل ما أوتيت من عزم.
رضا - مدونة "قصص الأمل والتعافي"