نصف حبة صنعت الفرق: كيف استعاد رضا توازنه

 




في حياة كثير من المرضى النفسيين، قد تمر لحظات من التشتت، من التجريب، من التساؤل: هل أحتاج هذه الجرعة فعلاً؟ هل يمكنني أن أقللها؟ وماذا لو كانت كثيرة علي؟

لكن أحيانًا، الجواب لا يأتي من كتب الطب، بل من التجربة نفسها، من جسدك وهو يتحدث، ومن روحك حين تتوازن مجددًا.

أنا رضا. مررت بكل هذا وأكثر. أتناول تجريتول (كاربامازيبين) منذ مدة كجزء أساسي من خطة علاجي لاضطراب فصام عاطفي. وكنت دائمًا ألتزم بالجرعة: 400 ملغ يوميًا، من النوع ممتد المفعول.

لحظة غفلة… اختلال الميزان

قبل أيام، كنت أعتقد أنني أخذت جرعتي كما هو معتاد. ولكن حدث ما لم أنتبه له: نسيت نصف حبة من الجرعة، وواصلت يومي. في البداية لم ألاحظ فرقًا واضحًا. لكن شيئًا فشيئًا، بدأت الأمور تتغير:

  • أحسست بتعكر في المزاج دون سبب واضح
  • الوسواس بدأ يطل برأسه مجددًا، وإن كان بشكل خفيف
  • التكيف والمتعة اليومية التي اعتدت عليها… اختفت

في البداية ظننت أن السبب شيء آخر: النوم؟ الطعام؟ ربما الجو؟ لكن حين فكرت في الجرعة، وتذكرت ما حدث، أدركت: لقد أخذت جرعة ناقصة… وهنا بدأ التحليل.

جرعة ناقصة، نتيجة ملموسة

لم يكن الأمر مجرد صدفة. نصف حبة فقط، أي 200 ملغ ناقصة، كانت كافية لتعيدني إلى الحافة: لا انهيار، ولكن فقدان للراحة. لا أزمة حادة، ولكن غياب التوازن.

تذكرت بسرعة أن هذه ليست أول مرة أشعر بهذا عند نقص الجرعة. وأخذت القرار البسيط: العودة إلى الجرعة الأصلية، أي تناول النصف الذي نسيتُه.

وبعد الحبة… عاد كل شيء

في أقل من ساعة بعد تناول الجرعة الصحيحة، عاد التكيف. خفّ التوتر. المتعة رجعت إلى الأشياء البسيطة: صوت، صورة، سكون. أحسست كأن رأسي تنفس.

وهنا استوعبت شيئًا عميقًا: جسدي لا يطالبني بأكثر مما أتحمل. هو فقط يطلب مني أن أحترم التوازن الذي تعرف عليه، وأن أقدّر الجرعة التي تُبقيه في سلام.

الدرس: التوازن ليس رفاهية، بل حياة

في مثل حالتي، وربما في حالات مشابهة، الدواء ليس مجرد حبة تُبتلع. بل هو عمود من أعمدة الاتزان العقلي والنفسي. وكلما ظننت أنني "أستطيع تقليل الجرعة" دون إشراف أو سبب طبي واضح، أدفع الثمن سريعًا… ولو على مستوى الشعور فقط.

تجربتي الأخيرة علمتني أن:

نصف حبة دواء قد تصنع الفرق بين رضا المنهك… ورضا المتزن.

رسالة لكل من يعاني… أو يفكر بالتقليل الذاتي للدواء

أنت أدرى بنفسك، نعم. لكنك لست في صراع مع نفسك. بل في شراكة معها. واحترامك للجرعة التي جلبت لك الاستقرار، هو احترام لحياتك، لمستقبلك، ولروحك التي تستحق أن تعيش في هدوء.

لا تتردد أبدًا في مراجعة الطبيب، أو العودة لما كان ينفعك، حتى لو كانت حبة صغيرة. ما دام فيها نفعك، فهي كبيرة في معناها.

أما أنا، فأقولها من القلب: الحمد لله على النصف حبة التي أعادتني لنفسي.


رضا أبو جاد | حكاية أمل

تعليقات