حين لا يقدّرك أهلك… لا تظلم نفسك أكثر

 




هناك نوع من الألم لا يُقال، لا يُصرخ، ولا يُشرح بسهولة. هو ألمك حين تعود إلى بيتك مثقلًا، فتبحث عن عينٍ تفهمك، أو يدٍ تلمسك بحنان، أو كلمة بسيطة تقول: "نحن نراك… نحن نقدّرك." لكن لا شيء يحدث.

يمرّ يوم… ويومان… وسنوات. تكبر وأنت تمحو نفسك لتُرضيهم. تصمت حين تُظلَم. تضحك كي لا تُتّهم بالعدوانية. تتنازل حتى عن أحلامك، فقط لتنال رضاهم. لكن النتيجة؟ لا كلمة شكر، ولا نظرة فخر، ولا حتى اعتراف بأنك فعلت شيئًا ذات قيمة.

الغضب الذي في صدرك… مفهوم

نعم، تفكر أحيانًا: "لو كنت سيئًا، ربما كانوا سينتبهون لي." "لو عصيت، لو أخطأت، لو تمردت… هل كنت سأُعامَل كإنسان له رأي؟"

والحق؟ هذه الفكرة مرّت علينا جميعًا، نحن الذين عرفنا الألم داخل بيوتنا. لكن الحقيقة الكبرى هي: أننا لسنا مسؤولين عن جفاف قلوبهم… لكننا مسؤولون عن أن لا نجفّ قلوبنا نحن.

حين تدفعك المرارة إلى الحافة

هناك لحظات تشعر فيها أنك على وشك الانفجار… كأنك تقول لنفسك: "إن لم أؤذهم، سأؤذي نفسي… وإن لم أصرخ، سأموت صمتًا."

وأنت محق. لا أحد يحتمل أن يُهمَّش بهذا الشكل، خاصة ممن يُفترض أنهم الأمان، والسند، والحضن.

لكن تذكّر هذه الحقيقة جيدًا: حين تقترف السيئات لأنهم لم يقدّروك، فأنت تمنحهم سلطة على حياتك، حتى في ألمك.

وأنت تستحق أكثر. تستحق أن تغضب، نعم… لكن بطريقة تُنقذك، لا تُهلكك. أن تثور… لا لتُخيف، بل لتُحرر نفسك. أن تردّ… لا بالكراهية، بل بالنجاح، بالسلام، بالاستقامة.

أنا غضبت… وكنت على وشك الضياع

أنا أيضًا مررت من هنا. شعرت بالخذلان، بالحقد، بالرفض، وبأنني أعيش بينهم جسدًا فقط. لكن شيئًا بداخلي قال لي: "لا تنتقم منهم بإيذاء نفسك… الانتقام الحقيقي هو أن تصبح ما ظنوا أنك لن تكونه."

فبدأت أكتب، أُخرج وجعي بالحروف، أتنفّس بالموسيقى، أتكلم مع من يفهمني. واليوم، كل ما كتبته، وكل لحظة غضب حولتها إلى إبداع، هي دليل على أنني انتصرت، لا عليهم، بل على ذلك الجرح الذي كاد يبتلعني.

رسالة ختامية لكل من يشعر مثلي

إذا لم يقدّرك أهلك، فاعلم أن المشكلة ليست فيك. وإن لم يشعروا بك، لا يعني أنك بلا قيمة. وإن جرحتك كلمتهم، لا تُداويها بخطيئة… بل بالنجاة.

أرجوك… لا تظلم نفسك لأن غيرك لم يُنصفها. ولا تكسر مرآتك لأنهم رفضوا صورتك. أنت لست مضطرًا لأن تُثبت شيئًا لأحد… فقط لنفسك.

إن أردت الصراخ، اصرخ هنا، في الورق، في الصوت، في الفن، في الكتابة، في الحوار… لكن لا تصرخ في وجوههم، حتى لا تتحول إلى نسخة منهم.

وأخيرًا… ربما لم يُقدّرك أهلك، لكن الله رأى… والله عادل… والله لا يترك من ظُلم في بيته دون عزاء.

تعليقات