ما كان يدور في رأسي لم يكن صدى فراغ… كان صوت الحقيقة. كنت أُحاول إسكات ذلك الإحساس الذي يقول لي: "احذر… هناك شيء غير مريح هنا"، لكني في كل مرة أُسارع إلى اتهام نفسي بالوسواس، بالشك، بالمبالغة. لا لأني كنت واثقًا من أنهم أبرياء، بل لأني خفت أن أظلمهم.
كنت أقول لنفسي: "ربما أنت تتوهم، لا تكن سيء الظن… راجع نفسك، ربما فيك العيب." لكن الإحساس لم يكن يُغادرني. كان يعود في الليل، في الصمت، في نظرة لم تُفهم، أو كلمة عابرة تحمل ما هو أعمق من ظاهرها.
كنت أُحبهم… وخفت أن أظلمهم
لم أُكذب فراستي لأنني لم أثق بها، بل كذّبتها لأني أحببتهم، ولأني خفت أن يكون قلبي قاسيًا عليهم. أردت أن أُعطيهم فرصة، أن أكون نبيلًا، أن أُحسن الظن حتى آخر رمق. لكنني نسيت نفسي في الطريق… وبدأت أُسيء الظن بنفسي بدلًا منهم.
اتهمت إحساسي بأنه وسواس، واتهمت حذري بأنه مرض. وكل ذلك لأني كنت أريد أن أكون "عادلاً"، "طيبًا"، "واعيًا بمشكلتي". لكن في هذا الوعي… ظلمت نفسي، وسكتُّ عن إشارات كانت صادقة.
الحقيقة لا تحتاج أن تصرخ
الإحساس الحقيقي لا يُعلِن عن نفسه بصوت عالٍ، إنه يهمس… لكنه لا يزول. وكلما تجاهلته، عاد بقوة أكبر. حتى تأتي لحظة يتضح فيها كل شيء، وحينها، لا تكون الصدمة في الآخرين… بل في نفسك التي لم تصدّقها.
قلت لنفسي يومًا: "لو كنتَ صدّقت أول إحساس… لنجوت مبكرًا. لكنك كنت تُكذّب إحساسك لأنك طيب أكثر من اللازم، تخاف أن تظلم أحدًا، حتى لو ظلمت نفسك."
ضوء في آخر النفق: أنا أُصدق إحساسي من اليوم
اليوم، لا أُشكك في إحساسي كما كنت. لا أتهمه بالوسواس كلما شعرت بشيء لا يُريحني. صرت أسمع قلبي، وأقول له: "أنا معك… ولن أُسكتك فقط لأنهم لا يرون ما ترى."
الفرق بين الوسواس والفراسة ليس دائمًا واضحًا، لكنني تعلمت أن الفراسة تأتي من هدوء داخلي، لا من رعب داخلي. وما كنتُ أسمعه بداخلي لم يكن صراخ مرض… بل نداء صدق، ناداني كثيرًا… لكنني كنت أُسكت الصوت بالشك.
إلى من يشك في إحساسه اليوم…
أن تكون مريضًا لا يعني أن كل ما تشعر به خاطئ. وأن تُحب الناس لا يعني أن تُكذّب روحك من أجلهم. استمع لإحساسك… حتى لو كنت لا تملك عليه دليلًا. فالألم لا يحتاج إلى محكمة، يكفي أن يُوجعك كي يُؤخذ بجدية.
أنا اليوم أصدق قلبي… لا لأنه معصوم من الخطأ، بل لأنه كثيرًا ما ناداني… ولم يكن يُخطئ. وكان يجب أن أصدّقه من البداية.