في لحظة هدوء، خطرت ببالي فكرة لم أسمع أحدًا يتحدث عنها من قبل، لكنها كانت مفتاحًا لفهم جزء كبير من معاناتي: "نعم، الإنسان قد يوسوس، مثل الجان… لكن الفرق أن الإنسان الطبيعي لا يتأثر كثيرًا، بينما المريض قد يسقط في فخ الوسواس."
أنا رضا، أكتب هذه الكلمات بعد تجربة طويلة مع الوسواس القهري والذهني، وبعد انتكاسة خفيفة سببتها جرعة مضاعفة من دواء تجريتول، جعلتني أعود مؤقتًا إلى الحساسية من كلام الناس ونظراتهم.
الوسواس ليس دائمًا من داخل النفس
لطالما اعتقدنا أن الوسواس يأتي من داخل النفس، أو من الشيطان. لكنني اكتشفت أن الوسواس أحيانًا يأتي من الناس أنفسهم. نظرة غريبة، تعليق ساخر، نبرة صوت… كلها قد تحرك في المريض شرارة الوسواس، خصوصًا إن كان مرهقًا أو في لحظة ضعف دوائي.
الفرق بين الطبيعي والمريض
الناس جميعًا يمرون بلحظات شك، لكن الفرق هو في ردة الفعل. الشخص الطبيعي قد يتجاهل، أما من يعاني من اضطراب نفسي فربما يعيد الحدث في ذهنه عشرات المرات. كل كلمة، كل إشارة، تُفسر كدليل إدانة. وهذا ما يصنع الألم النفسي العميق.
الدواء والانتكاسة المؤقتة
قبل أيام، أخطأت وتناولت جرعة إضافية من تجريتول. لاحظت بعد ساعات أنني أصبحت حساسًا لكلام الناس من جديد. كل شيء يُفسر ضدي، شعرت أن الجميع يراقبني أو يحكم عليّ. لكن بمجرد أن خرجت الجرعة الزائدة من جسمي، عدت إلى حالتي المتزنة.
لست مجبرًا على التصديق
الدرس الذي خرجت به: لست مضطرًا لتصديق كل ما يخطر ببالي. قد يلمّح الآخرون، قد يُظهرون الجهل، لكن أنا أقوى من أن أسمح لهم بإفساد يومي أو أفكاري. تعلمت أن أقول لنفسي: "حتى لو تكلموا عني، فهذا شأنهم لا شأني. أنا أعرف نفسي جيدًا".
لستَ مجبرًا على قتال وسواسك
وهنا الحقيقة الذهبية: لستَ مضطرًا أن تقاتل وسواسك دائمًا. أحيانًا يكفي فقط أن تفهمه وتتركه يمر. كلما وعيت أن كلامهم لا قيمة له، تساميت. وكلما تساميت، تهاوى جهلهم. لن يعود لكلامهم تأثير حين تدرك أن قيمتك لا تُمنح من الخارج.
الوسواس يخبو بالفهم لا بالمقاومة العنيفة
بعض الوساوس تخبو فقط حين تُنصت لها بوعي دون خوف. لا تفر منها، لا تقاتلها، بل اجلس معها قليلًا، استمع لها، ثم انصرف عنها بسلام. إنها كضيف غير مرحب به… إن لم تهتم له، غادر من تلقاء نفسه.
أخيرًا…
الوعي هو السلاح الأقوى في رحلتك مع الوسواس. لا تظن أنك وحدك، ولا تخجل من معاناتك. نحن كثيرون، ولكننا أقوياء بما يكفي لننهض بعد كل عثرة.
نعم، الإنسان قد يوسوس… لكنك لست مجبرًا أن تصدق، ولا أن تقاتل. كن أذكى، واسمُ بعقلك وروحك فوق كل جهل.
رضا أبو جاد | حكاية أمل