كنت أظن أنني السبب… ثم غفرت لنفسي
لطالما ظننت أنني السبب في كل ما حدث. حين انقلبت بعض العلاقات، أو حين ابتعد من ظننتهم الأقرب، أو حتى عندما أساء الناس فهمي… أول ما خطر ببالي كان: "ماذا فعلتُ؟ هل كنت مخطئًا؟ هل أنا فعلاً مريض ولا أشعر؟"
أرهقني هذا الصوت الداخلي، صوت اللوم المتكرر، الذي كان يغمر كل محاولة لفهم نفسي. كنت أقول لنفسي: "ربما أنا أتوهم… ربما هذه فراسة مريضة… ربما هذه مجرد وساوس." لكن مع مرور الوقت، بدأت أرى الصورة بوضوح أكبر. بدأت أميز بين الحدس النقي، والوسواس.
الفرق بين الفراسة والوسواس
الوسواس يُخيفك، يُرهقك، يسرق منك الأمان حتى في الأشياء البسيطة. أما الفراسة، فهي هدوء داخلي، إحساس عميق لكنه ليس هستيريًا. الفراسة تهمس، لا تصرخ. الوسواس يتهمك، أما الفراسة فتنبهك برحمة.
في لحظة صدق، كتبتُ لنفسي هذه الأبيات — هدية منّي إلى قلبي الذي طالما اتُّهم ظلمًا:
ما كل هاتيك الخواطر يا رضا = عبث تسلط أو هو الوسواس
كم تقرأ القرآن والناس دائما = لو كان وسواسا لكان يداس
لا سيدي تلك الفراسة نورها = لا ينطفي مهما أردت لباس
لا تخش عاقبة الأمور وقد كساك = الله نور الله يا إحساس
وكفى اتهام النفس واتبع نور من = كل الوساوس ساكت خناس
كتبتها كي لا أنسى: أنا لست عدو نفسي. قلبي ليس خائنًا، وحساسيتي ليست مرضًا دائمًا، أحيانًا تكون نعمة لا يراها إلا من مشى في الظلمة طويلاً.
الغفران الأكبر: أن تسامح نفسك
أدركت متأخرًا أني بحاجة لشيء أهم من تصديق الآخرين… كنت بحاجة لأن أسامح نفسي. أن أقول لها: "أعرف أنك تألمتِ، أعرف أنك صدّقتِ من لا يستحق، وأنك كتمتِ مشاعرك خوفًا من أن يُقال عنك مجنون."
اليوم، أقول لها شيئًا جديدًا: "أنتِ لستِ السبب، بل كنتِ تحاولين النجاة بطريقتك." هذا الصوت بداخلي لم يكن بحاجة إلى تأنيب… بل إلى حضن.
الناس لا يرون الصورة كاملة
غالبًا ما يختصر الناس حكايتك في مشهد واحد… ربما سيجارة، أو عزلة، أو صمت طويل. لكن لا أحد يرى المشاهد التي سبقت، ولا فصول الألم التي لم تُنشر. وأحيانًا، يُقاس المرض بسطحية، ويُنسى الوعي، ويُنسى العمق، وتُنسى المحاولة.
اليوم، لم أعد أبحث عن فهم الناس. يكفيني أن أفهم نفسي… أن أحتويها… أن أصدقها حين تصرخ "أنا أتألم" بدلًا من إسكاتها باسم العقل أو "الواقعية".
ضوء آخر النفق: اسمك الحقيقي
غفرت لنفسي… وما إن فعلت ذلك، حتى بدأ شيء داخلي يتنفس. شعرت أنني أقترب أكثر من اسمي الحقيقي، من روحي، من ملامحي التي لطالما شوهها التفسير الخاطئ. أريد أن أستمر في هذا الطريق… طريق العودة إلى نفسي، لا إلى الناس.
الشفاء ليس أن يقتنع العالم بك، بل أن تصدق نفسك بعد طول إنكار. وأنا أصدقها اليوم.
هذه الصفحة من "ضوء في آخر النفق" ليست مجرد مقالة، بل شهادة حياة، وعد بأني لن أحمّل نفسي ذنوبًا ليست ذنبها، ولن أُطفئ نورها تحت خوف المجتمع، بل سأتركها تنمو… على طريقتها، وفي وقتها.