لا بأس إن لم يفهمك أحد… الله يفهمك
كثيرًا ما شعرت أنني أشرح نفسي أكثر مما أعيشها. أحاول أن أوضح ما بداخلي، لا لأنني بحاجة لإثبات، بل لأنني كنت أرجو فقط شيئًا بسيطًا: أن يفهمني أحد. أن ينظر إليّ بعين الرحمة، لا بعين الشك. أن يُدرك أن خلف كلماتي المرتبكة قلبًا متعبًا، يحاول بكل ما أوتي من صدق أن يبقى على قيد النور.
لكن الفهم ليس أمرًا سهلًا في هذا العالم. فالناس اعتادوا الحكم لا الإصغاء، والنقد لا الاحتواء. وكلما حاولت أن تكون صادقًا، شعرت أن صدقك يزيد من غربتك… لا يُقرّبك.
لماذا لا يفهمني أحد؟
لأنهم لم يمروا بما مررتَ به. لأنهم لا يرون ما ترى، ولا يشعرون كما تشعر. ولأن أكثرهم مشغول بسطحك… لا بعمقك. يرون ملامح التعب، لا أسبابها. يلتقطون كلمة عابرة، ويبنُون عليها حُكمًا، دون أن يسألوا: ما الذي جعلك تقولها؟
وحين لا يُفهم الإنسان، يبدأ بالتشكيك في نفسه… "هل أنا مُبالغ؟ هل أنا غير طبيعي؟ هل أنا فعلاً مريض لا يشعر؟"
الله وحده يرى كل شيء
ثم يأتي ذاك الشعور… الدافئ الهادئ، كأن روحك تهمس: "لا بأس إن لم يفهمك أحد… الله يفهمك." الله يرى الدموع التي لم تخرج، والكلمات التي لم تُقال. يرى لحظة الصمت التي امتلأت فيها روحك بالضجيج، ويرى كم حاولت أن تكون طيبًا في عالم لا يفهم الطيبين.
مع الله، لا تحتاج أن تشرح. ولا تخشى أن تُساء الظنون بك. هو يعلم ما تُخفي، وما تتمنى، وما تُجاهد في كتمه. وهو وحده من يزن قلبك بالعدل، لا بالمظاهر.
حين لا تجد من يُصغي… اصغِ لنفسك
تعلمت أنني لست مضطرًا دائمًا لأن أُشرح نفسي. وأن الصمت أحيانًا أرحم من التبرير المستمر. حين لا تجد من يستمع لك بصدق، استمع لنفسك. افتح لها مساحة، قل لها: "أنا معك، حتى لو لم يفهمك أحد، سأفهمك أنا، وسيفهمك الله."
توقف عن إقناع الناس بما لا يريدون أن يرونه. أنت لست مسؤولًا عن ضيق قلوبهم، ولا عن عمى بصيرتهم، ولا عن اختزالهم لكل صراعاتك في عبارة مثل: "هو حساس، هو مريض، هو يفسر كل شيء."
ضوء في آخر النفق: الله لا يترك أحدًا في الظلام
في لحظة ما، توقفت عن انتظار الفهم من البشر، وبدأت أبحث عن السلام من الداخل… السلام الذي يمنحه الله حين تقول له: "يا رب، لم يعد لي سواك… فكن أنت فهمي ورفقي ونوري."
ومن يومها، خفّ العبء عن قلبي. لم أعد أبحث عن التقدير من الذين لا يرون، بل أصبحت أكتفي بنظرة من الله، وبصدق داخلي، يكفيني لأبقى على قيد النور.
لا بأس إن لم يفهمك أحد. فالفهم الحقيقي لا يأتي من الخارج… بل من فوق. من ربّ خلقك، وعلم ضعفك، ورافقك حين ظنّ الآخرون أنك وحدك.
إلى من يشعر بما شعرت…
دعك من مَن لا يسمع إلا صوته، ودَع قلبك مع من خلقه. ستجد يومًا من يقول لك: "أنا أصدقك" — لكن حتى يأتي هذا اليوم، كُن أول من يُصدقك، وأول من يقول لنفسه: "أنا لست بحاجة لتبرير كل ما فيّ، الله يكفيني."