ADS

أصوات في رأسي... وضوء في قلبي

أصوات في رأسي... وضوء في قلبي
المؤلف لماذا الشعر
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

أصوات في رأسي... وضوء في قلبي






من التجارب التي لا تُوصف بسهولة، أن تعيش وأنت تسمع أصواتًا لا يسمعها سواك. أصوات تُشكك فيك، تُخيفك، تُحاصرك. الفصام لم يكن فقط مرضًا نفسيًا، بل كان حربًا مستمرة في داخلي، بين الحقيقة والخيال، بين الهدوء والضجيج. ومع ذلك، وسط كل هذا الضجيج، كان هناك نور صغير في قلبي لا ينطفئ.

حين بدأت الأصوات تظهر

في البداية، لم أُصدّق أنها ليست حقيقية. كنت أظن أن هناك من يراقبني فعلًا، من يتكلم عني، من يُخطط لإيذائي. عشت حالة من الرعب الصامت. لم أجرؤ على إخبار أحد، لأنني خفت أن يُقال عني "مجنون". هذا الخوف كان أكثر إيلامًا من الأصوات نفسها.

بين الصوت والعقل: صراع لا يُرى

مع الوقت، بدأت أميز شيئًا فشيئًا بين ما هو من داخلي، وما هو جزء من المرض. لم يكن الأمر سهلًا، ولا سريعًا. كان كمن يسير في ضباب كثيف، ويحاول أن يلمح الطريق. لكن كل لحظة وعي، كل اعتراف داخلي بأن ما أسمعه ليس حقيقيًا، كانت خطوة نحو النور.

العلاج... بداية الاستماع لنفسي الحقيقية

لم يكن العلاج مجرد أدوية أو جلسات، بل كان أداة لأسمع صوتي الحقيقي وسط كل الأصوات الزائفة. الطبيب ساعدني لأفهم أن ما أسمعه لا يعني أنني شخص سيء أو خطر، بل أنني أحتاج إلى فهم دماغي بشكل جديد. هذه الفكرة وحدها غيّرت حياتي.

الأمل لا يصدر من الخارج فقط

كان من السهل أن أبحث عن شخص أو شيء يخرجني من هذه الدوامة، لكن الحقيقة أن بذور الأمل كانت دائمًا بداخلي. حتى في أسوأ اللحظات، كنت أشعر بشيء يقول لي: "استمر. هذا الظلام مؤقت." لم أكن أفهمه، لكنني كنت أتشبث به كمن يتمسك بخشبة نجاة وسط بحر هائج.

الدعم الحقيقي لا ينكر معاناتي

أكثر ما ساعدني هو من لم يُنكر أنني أسمع أصواتًا، بل احترم معاناتي، حتى لو لم يفهمها. لم يقل لي "تخيل فقط أنها غير موجودة"، بل قال "أنا أصدق أنك تتألم". هذا النوع من القبول منحني أمانًا نفسيًا لأواجه المرض بدلًا من أن أختبئ منه.

كيف تعلمت أن أعيش مع الأصوات؟

لم تختفِ كل الأصوات تمامًا، لكني صرت أعرف كيف أتعامل معها. أكتب، أتنفس بعمق، أطلب المساعدة، أتناول علاجي، وأذكّر نفسي دائمًا بأن الأصوات لا تُعرّفني. أنا لست ما أسمعه، بل ما أختاره أن أكونه.

الضوء في قلبي.. مصدره الإيمان

إيماني — بالله، بالحياة، وبأنني لست وحدي — كان ذلك الضوء الثابت الذي لا تنطفئ شعلته. ربما كان خافتًا أحيانًا، لكنه لم ينطفئ. كنت أقول لنفسي: "هذه رحلة، وكل لحظة صعبة هي صفحة، وليست الكتاب كله."

رسالة إلى من يسمع أصواتًا

إن كنت تسمع أصواتًا ولا تجد من يفهمك، فأنا أقول لك: أنا أفهمك. قد تبدو الأصوات أقوى من المنطق أحيانًا، لكن هناك داخلك عقل وقلب وروح أقوى منها جميعًا. لا تخف من طلب المساعدة، ولا تخجل من مشاعرك. كل ما تمر به حقيقي، لكنك لست وحدك.

خاتمة: نحن أكثر من أعراضنا

قد لا يفهم الكثيرون كيف يبدو أن يعيش الإنسان وأصوات تُطارده، لكن هذا لا يعني أننا أقل قيمة. نحن بشر نحمل ألمًا خاصًا، لكننا نحمل أيضًا قوة خاصة. القوة على أن ننهض، ونحكي، ونحب، ونأمل. الأصوات في رأسي لم تهزمني، بل عرّفتني على أعماقي، وأخرجت الضوء في قلبي إلى العالم.

وكلما سمعت صوتًا يحاول إطفائي، أُشعل في داخلي صوتًا آخر يقول: أنت تستحق الحياة، مهما حدث.









تعليقات

عدد التعليقات : 0