ADS

من العزلة إلى المشاركة: رحلة التحرر من وصمة الفصام

من العزلة إلى المشاركة: رحلة التحرر من وصمة الفصام
المؤلف لماذا الشعر
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

من العزلة إلى المشاركة: رحلة التحرر من وصمة الفصام



حين شُخّصت باضطراب الفصام، كان أول ما شعرت به ليس الخوف من الأعراض، بل الخجل من نظرة الناس. شعرت كأنني دخلت في دائرة مغلقة، لا يُسمح لي فيها بأن أكون جزءًا من العالم من جديد. العزلة لم تكن فقط شعورًا، بل سلوكًا فرضه عليّ وصم المجتمع. لكني قررت لاحقًا أن هذه الدائرة لا بد أن تُكسر — وأنّ قصتي يجب أن تُروى، لا أن تُخفى.

البداية: حين أصبحت أختبئ من الجميع

أذكر الأيام الأولى بعد التشخيص، حين كنت أتفادى نظرات الناس، وأخفي ملفي الطبي وكأنّه سرّ عظيم. كنت أظن أن الحديث عن المرض هو إذلال للذات. لكن العزلة كانت قاسية. شعرت أنني أعيش خلف زجاج لا يراني فيه أحد كما أنا. بدأت أشك في استحقاقي للحياة، للصداقة، للفرح.

كلمات جارحة... تركت ندوبًا

قيل لي كلمات مثل: "هل أنت مجنون؟"، "هذه أشياء لا يُشفى منها أحد"، "أنت تشكل خطرًا على نفسك والآخرين". هذه العبارات لم تكن فقط مؤذية، بل كانت حاجزًا بيني وبين فكرة الشفاء. كل كلمة جرح كانت تُضيف طبقة جديدة من الصمت في داخلي.

أول شرخ في الجدار: شخص سمعني دون أن يحكم

تغيّر شيء بداخلي حين التقيت شخصًا — صديقًا قديمًا — سألني: "كيف حالك؟" وليس: "ما الذي حصل بك؟" سمعني كما أنا، لا كـ"حالة". لم يقاطعني، لم يُظهر شفقة، بل احترامًا. كان هذا الموقف صغيرًا، لكنه هزّ جدار العزلة حولي. بدأت أجرّب أن أكون أنا، دون قناع.

الوصمة تذوب حين نتكلّم

ما ساعدني حقًا هو الكتابة والتحدث علنًا عن تجربتي. أول مرة نشرت فيها تدوينة عن معاناتي مع الفصام، كنت أرتجف. لكن التعليقات التي وصلتني — من أناس يمرون بنفس الألم، أو حتى من أصدقاء لم أكن أتوقع منهم دعمًا — كانت مفاجئة. الصمت يجعلنا غرباء، أما الكلمات فتقرّب بيننا.

المرض لا ينفي قيمتي كإنسان

ما أدركته لاحقًا هو أني لست "عارًا" لأني أمرّ باضطراب نفسي. عقلي يمرض كما يمرض أي عضو آخر. من المؤلم أن كثيرين لا يفهمون ذلك، لكن الأهم أن أنا نفسي فهمته. وصمة المجتمع قد تظل، لكن وصمتي لذاتي بدأت تتلاشى.

التحوّل من "حالة" إلى "قصة"

حين بدأت أتكلم، لم أعد حالة مرضية صامتة، بل إنسان له حكاية. كانت قصتي مليئة بالدموع، نعم، لكنها أيضًا مليئة بالشجاعة والنجاة. في كل مرة أروي فيها تجربتي، أشعر أنني أستعيد جزءًا من إنسانيتي، وأنني لست وحدي في هذا الطريق.

المشاركة تصنع المعنى

اليوم، لم أعد أبحث فقط عن الشفاء لنفسي، بل عن طريقة أساعد بها الآخرين. ربما بكلمة، ربما بمدونة، ربما بابتسامة في وجه من يخجل من مرضه. حين أشارك، لا أُظهر ضعفي، بل أُظهر قوتي. وقد يكون في هذا الأثر البسيط ما يزرع الأمل في قلب شخص آخر.

كلمة لمن يشعر بأنه غير مرئي

إذا كنت تعيش في ظل العزلة الآن، بسبب مرضك النفسي، فأنا أقول لك: أنت لست وحدك، وأنت لست عيبًا. في داخلك نور ينتظر فقط أن يُرى. لا تسمح لصوت المجتمع أن يُطفئه. ستجد من يسمعك، فقط تكلّم حين تكون مستعدًا، بكلماتك الخاصة، على طريقتك.

خاتمة: الرحلة من الداخل إلى الخارج

الشفاء لا يبدأ فقط بالأدوية أو الجلسات النفسية، بل يبدأ عندما أختار أن أخرج من عزلتي، وأن أؤمن أنني أستحق أن أُسمَع وأُحترم. من العزلة إلى المشاركة كانت رحلتي الأعمق، لأنها حررتني من أخطر سجن: سجن الصمت.

وحين شاركت قصتي، لم أكن أطلب شفقة، بل أقول ببساطة: أنا هنا. وما زلت أتنفس. وما زلت أؤمن.

تعليقات

عدد التعليقات : 0