ADS

في قلب العاصفة: دروس من انتكاساتي النفسية

في قلب العاصفة: دروس من انتكاساتي النفسية
المؤلف لماذا الشعر
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

في قلب العاصفة: دروس من انتكاساتي النفسية




الحديث عن التعافي من الفصام لا يكتمل دون الحديث عن الانتكاسات. تلك اللحظات التي تسقط فيها فجأة بعد أسابيع أو شهور من الاستقرار. كثيرًا ما شعرت بالإحباط بعد كل انتكاسة، وراودني شعور بأن كل التقدم الذي أحرزته قد ضاع. لكن مع مرور الوقت، أدركت أن الانتكاسة ليست فشلًا، بل جزء من الرحلة. وفي كل مرة كنت أخرج من العاصفة، كنت أحمل درسًا جديدًا عن نفسي وعن الحياة.

الانتكاسة الأولى: الصدمة والارتباك

لم أنسَ أول مرة عدت فيها إلى المستشفى بعد فترة من الاستقرار. شعرت بالخجل، بالخوف، وكأنني خذلت نفسي والآخرين. لكن الطبيب قال لي شيئًا لا أنساه: "الانتكاسة ليست دليلًا على فشل العلاج، بل جزء طبيعي من عملية التعافي." عندها بدأت أغيّر نظرتي لهذه العثرات.

كل عاصفة تكشف نقاط ضعفي.. ونقاط قوتي

مع كل انتكاسة، لاحظت نمطًا: هناك أسباب ومحفزات تتكرر. قلة النوم، التوتر، التوقف عن الدواء، أو العزلة الطويلة. تعلمت أن أكون يقظًا لهذه الإشارات، وأن أتعامل مع جسدي وعقلي كمؤشرات إنذار مبكر. وهكذا، تحوّلت العواصف من فوضى عشوائية إلى دروس واضحة.

رحمة النفس في زمن السقوط

أصعب ما في الانتكاسات النفسية ليس الألم نفسه، بل الشعور بالذنب تجاه الذات. "لماذا عدت إلى هنا؟ لماذا لم أكن أقوى؟" هذا الصوت الداخلي كان يؤذيني أكثر من المرض. لكني بدأت أتعلم أن أكون لطيفًا مع نفسي في لحظات السقوط، وأن أقول: "أنت تتألم، وهذا طبيعي، وستنهض من جديد."

دور البيئة في الشفاء والانتكاس

الناس من حولي كان لهم دور كبير في كيفية تعاملي مع الانتكاسات. من فتح لي قلبه وصبر على صمتي كان كالنور في نفق مظلم. ومن ابتعد أو جرحني بكلامه، زاد من ألمي. لهذا، أصبحت أكثر وعيًا بأهمية أن أحيط نفسي بمن يفهمونني، أو على الأقل يحترمون معركتي.

لا انتكاسة بلا معنى

بعد كل أزمة كنت أسأل نفسي: "ماذا تعلّمت؟" وربما لا أجد الجواب فورًا، لكنه يظهر لاحقًا. أحيانًا يكون الدرس أن أكون أكثر التزامًا بالعلاج، وأحيانًا أن أعبّر عن مشاعري بدلًا من كبتها. وهكذا، تحوّلت الانتكاسات من لحظات انهيار إلى فصول من التعلم والنمو.

المرونة النفسية: أن أرجع لا أن أُكسر

الفرق بين من ينهض ومن ينهار بعد الانتكاسة هو شيء واحد: المرونة. تعلمت أن أسمح لنفسي بالضعف، بالبكاء، بالتراجع، لكن دون أن أفقد الإيمان بأنني قادر على العودة. المرونة تعني أن أكون كالغصن، ينحني لكنه لا ينكسر.

أنا لست مرضي.. حتى في أسوأ أيامي

أكبر خدعة يهمس بها الفصام هي أنني صرت مجرد أعراضه. لكن هذا غير صحيح. حتى حين كنت في أقسى حالاتي، كنت ما زلت إنسانًا، لي قيم ومشاعر وأحلام. المرض لا يُعرّفني، بل هو جزء من قصتي فقط، لا كلّها.

التعافي عملية دائرية لا خط مستقيم

كنت أتمنى لو أن الشفاء يسير على خط تصاعدي واضح. لكن الحقيقة أن الأمر أشبه بموجات: نهوض، سقوط، ثم نهوض آخر. الفارق هو أنني في كل مرة أنهض فيها، أكون أقوى، وأفهم نفسي أكثر. هذا الإدراك وحده كان كافيًا ليجعلني لا أستسلم عند أول عثرة.

خاتمة: من قلب العاصفة يولد النور

لم أعد أخاف الانتكاسات كما في السابق. صرت أراها كجزء من تعرّفي إلى نفسي، واختباري لصبري، وتعميقي لإيماني بالحياة. نعم، هي مؤلمة، لكنها ليست النهاية. بل هي بداية جديدة، تُخرج مني شيئًا لم أكن أعرفه من قبل: قوة كامنة اسمها الأمل.

إذا كنت الآن في قلب العاصفة، فأنا أقول لك: ستنقشع. لا تستعجل الخروج منها، لكن تمسّك بفكرة واحدة: أن ما تمر به مؤقت، وأنك أقوى مما تظن.




تعليقات

عدد التعليقات : 0