حين يصبح الأمل دواءً: كيف أنقذني الإيمان بالحياة من الغرق
الانهيار الكبير
أذكر يومًا جلست فيه أمام مرآتي، أحدّق في عينيّ وكأنني أبحث عن شخص أعرفه، لكن لم أجد إلا غريبًا خائفًا. كانت تلك واحدة من أسوأ نوبات الانفصال عن الواقع. بدا كل شيء مشوشًا، والأصوات في رأسي تصرخ بلا توقف. لم يكن هناك من يُنقذني خارجيًا. لكن داخليًا، جاء صوت صغير يقول: "لا تستسلم بعد، جرّب فقط أن تصمد اليوم."
الأمل كفعل يومي
بدأت أتعامل مع الأمل كما أتعامل مع الدواء. لم أعد أراه مجرد شعور، بل ممارسة. كنت أضع لنفسي تحديات صغيرة: أن أخرج من غرفتي، أن أتناول طعامًا متوازنًا، أن أتواصل مع شخص واحد فقط. كل مهمة أنجزتها كانت كأنها جرعة من علاج معنوي. كان الأمل بالنسبة لي قرارًا متجددًا كل صباح.
علاقتي بالزمن تغيّرت
الفصام غيّر إحساسي بالزمن. كنت أعيش أحيانًا في الماضي، أحيانًا في مستقبل مشوه لا أفهمه. لكن الأمل أعادني للحظة الحاضرة. قال لي معالجي: "ركز على الساعة التي تعيشها، لا على العمر كله." هذه النصيحة البسيطة غيّرت الكثير. عندما توقفت عن مطاردة الإجابات الكبرى، بدأت أجد طمأنينة في الخطوات الصغيرة.
من طلب المساعدة إلى الإيمان بالرحلة
حين طلبت المساعدة لأول مرة، شعرت بالخجل. كيف أشرح ما أمرّ به؟ كيف أعبّر عن أصوات لا يسمعها أحد غيري؟ لكن ما اكتشفته لاحقًا هو أن طلب المساعدة نفسه كان أولى خطوات الأمل. كنت أقول، من خلاله، إنني ما زلت أؤمن بوجود حل. العلاج لم يكن سحرًا، لكنه كان طريقًا طويلًا مليئًا بالعثرات، وكان الإيمان بإمكانية التعافي هو ما يدفعني للاستمرار.
حين يتكلم القلب بدل المرض
في لحظات كثيرة كنت أخلط بين صوت المرض وصوتي الحقيقي. الفصام يشوّه نظرتي إلى نفسي، لكن مع الأمل والتأمل، بدأت أتعلم التمييز. أصبحت أطرح على نفسي سؤالًا بسيطًا: هل هذا ما أؤمن به فعلًا؟ أم أنه ما يفرضه عليّ المرض؟ هذه الأسئلة لم تكن سهلة، لكنها كانت طريقتي لإعادة بناء صوتي الداخلي.
الكتابة كانت حبل النجاة
اكتشفت أن الكتابة هي وسيلتي لترميم ذاتي. حين كنت أكتب عن ألمي، كنت في الحقيقة أضع له إطارًا. لم يعد يتحكّم بي، بل أصبح مادة أحوّلها إلى معنى. صرت أكتب خواطر عن الخوف، عن الأمل، عن صوت في داخلي يقول لي: "أنت لست وحدك." وفي كل سطر، كنت أستعيد جزءًا من نفسي.
أشخاص مرّوا وتركوا أثراً
ليس الجميع فهمني. بعضهم ابتعد، وبعضهم جرحني. لكن هناك من بقوا: معالج أمين، صديق صبور، أخ لم يكلّ. وجود هؤلاء الناس كان تجليًا عمليًا للأمل. لم يقولوا لي: "كل شيء سيكون بخير"، بل قالوا: "نحن هنا، حتى لو لم يكن كل شيء بخير." وهذا ما صنع الفرق.
ليس الشفاء الكامل هو الغاية، بل الحياة الكاملة رغم الألم
تعلمت أنني لست بحاجة إلى أن "أُشفى" تمامًا كي أعيش حياة ذات معنى. ما أحتاجه هو أن أكون صادقًا مع نفسي، رحيمًا بها، وألا أفقد الرغبة في الاستمرار. الأمل لم يكن نهاية الطريق، بل هو الجسر الذي أمشي عليه كل يوم.
خاتمة: حين يصبح الأمل دواءً
في تجربتي مع الفصام، لم يكن الأمل رفاهية، بل ضرورة. كان شريانًا يمدّني بالحياة حين شعرت أنني أغرق. الأمل ليس وهماً ولا كذبة نواسي بها أنفسنا، بل هو أعمق تعبير عن رغبة الإنسان في أن يستمر، رغم كل شيء.
وإذا كنت تمر الآن بظلمة، فتذكر أن في داخلك شمعة، وإن كانت صغيرة، لا تزال قادرة على الإضاءة. تمسّك بها. هذا هو الأمل.