حين لا تكفي الأعشاب: ماذا يحتاج المريض النفسي فعلًا؟
كثيرة هي النصائح التي يتلقاها المريض النفسي من حوله: "اشرب بابونج"، "جرب اللافندر"، "خذ نفسًا عميقًا". وكلها قيلت بنية طيبة، لكن الطيبة وحدها لا تشفي من الألم العقلي. لأن ما لا يدركه كثيرون هو أن الاضطراب النفسي لا يُعالج بكوب شاي، ولا تهدأ عواصفه بريحة زيت. الأعشاب ليست دواءً للمريض النفسي، بل هي في أفضل حالاتها، مساعدة خفيفة في الخلفية.
جربت معظم الأعشاب. شربت البابونج، واستنشقت اللافندر، وجربت زيت الأشواغاندا، وحتى الجنكة. بعض هذه الأشياء خففت حدّة القلق قليلاً، ساعدتني على النوم في ليلة مضطربة. لكن لم أجد شيئًا منها يضاهي تأثير الدواء النفسي الذي وصفه الطبيب لي. ولا شيء في الأعشاب أعاد إليّ التوازن الذي أضاعه الاكتئاب، أو منع الانهيار حين ضربتني نوبة فصامية.
ليس تقليلًا من قيمة الطبيعة، ولا رفضًا لها. لكن للأمانة والوضوح، أقولها: الأعشاب قد تنفع الأشخاص الطبيعيين الذين يمرون بضغوط مؤقتة. أما من يعاني من اضطراب نفسي مزمن، فليس أمامه إلا العلم، الطب، والخبرة السريرية. الطبيب النفسي هو من يفهم تعقيد الدماغ والعقل، وليس صيدلي الأعشاب.
الدواء لا يُستخدم فقط لإزالة الأعراض، بل هو أداة لضبط التوازن الكيميائي العصبي داخل الدماغ. الاكتئاب مثلًا، لا يتعلق فقط بالحزن، بل بنقص في بعض النواقل العصبية مثل السيروتونين. الفصام ليس مجرد أفكار مشوشة، بل خلل في معالجة المعلومات. هذه الأمور لا تُحل بعشبة أو مشروب دافئ قبل النوم.
تجربتي مع العلاج النفسي امتدت لسنوات. مررت بفترات من الإنكار، ثم الأمل، ثم التردد. جربت التوقف عن الأدوية أحيانًا بسبب التعب من الآثار الجانبية، وأحيانًا بسبب اقتناع خاطئ بأنني "شفيت". وكانت النتيجة دائمًا: انتكاسة، ثم عودة أصعب. تعلمت الدرس بالطريقة القاسية: المريض النفسي لا يمكنه التلاعب بخطته العلاجية كما يشاء. لا الأعشاب، ولا الإرادة وحدها، تكفي دون علاج منضبط.
وهناك جانب آخر: الدعم النفسي. الدواء مهم، لكن لا يعمل بمعزل عن المحيط. الاحتواء، الحوار، الفهم، كل هذا يعزز من فعالية العلاج. أما النصائح العشوائية، والضغط على المريض ليتعافى "بطريقة طبيعية"، فقد تكون في بعض الأحيان سُمًا في غلاف عسل.
في مرحلة معينة من رحلتي، كنت أرفض فكرة أنني سأحتاج دواءً طيلة حياتي. لكن مع الوقت، تقبّلت الأمر. تمامًا كما يتناول مريض السكري دواءه، أو كما يضع مريض القلب منظمًا لضرباته، كذلك يحتاج المريض النفسي إلى دوائه. لا خجل في ذلك. بل القوة الحقيقية أن تعترف بحاجتك، وتسعى لتعيش حياة مستقرة.
أقولها بتجرد: الأعشاب ليست حلًا كافيًا، ولا يجب الترويج لها كبديل. قد تكون إضافة، قد تُريح ليلة، لكن لن تُصلح عقلًا يعاني من اختلالات كيميائية حقيقية. ولكل من يعاني: لا تخجل من الدواء. وكن حذرًا ممن يبيع لك الوهم في شكل زهرة مجففة. الطريق الحقيقي يبدأ من العيادة، لا من العطار.
وفي النهاية، التجربة النفسية ليست عارًا، والعلاج ليس ضعفًا. إنها رحلة طويلة من المواجهة والوعي. وأنا اليوم، أكتب هذا المقال ليس فقط كناجٍ، بل كإنسان أدرك أنه لا عيب في أن تحتاج المساعدة. ولا حرج في أن يكون الدواء جزءًا من قصتك.