حين أطفأني الحزن: قصتي مع الاكتئاب بعد الفصام الوجداني
بعد أن هدأت العاصفة الكبرى التي أحدثها الفصام الوجداني، كنت أظن أنني سأعود كما كنت. لكن ما لم يخبرني به أحد، أن ما يأتي بعد العاصفة قد يكون أشد قسوة. كان ذلك ما يسمونه "الاكتئاب المتبقي"، وقد أحكم قبضته على قلبي وعقلي بصمت لا يُحتمل.
الهدوء الذي سبق الغرق
توقفت الهلوسات، وتضاءلت نوبات الهوس، لكن داخلي كان فارغًا. كأن الحياة فقدت طعمها بالكامل. لم أعد أشعر بأي دافع. كنت أنظر في السقف طويلًا دون هدف. كل صباح كان حملاً. مجرد النهوض من السرير كان يحتاج معركة.
لم أفهم في البداية. ظننت أني أتكاسل. أنني ضعيف. لكن الحقيقة أن الاكتئاب لم يكن اختيارًا، بل ظلاً ثقيلًا لم يغادرني رغم توقف الحرب الكبرى.
الألم الخفي من أقرب الناس
أصعب ما في تجربتي لم يكن المرض ذاته، بل خذلان من حولي. كنت أحتاج كلمة طيبة، عناقًا، أو حتى صمتًا متفهمًا. بدلًا من ذلك، تلقيت اتهامات بـ"التمارض"، ونظرات شك، وأحيانًا تهكمات جارحة من أقرب الناس لي.
"شد حيلك شوي"، "كأنك بتحب تعيش دور المريض"، "ليش ما تتحرك مثل الناس؟"... كلمات حطمت روحي أكثر من أي عرض نفسي.
الدواء... لا يداوي كل شيء
رغم التزامي بالأدوية، إلا أن الكآبة استمرت. الجرعات كانت مناسبة، التحاليل طبيعية، لكن الشعور بالخواء لم يتغير. أدركت حينها أن الدواء يُسكت العاصفة، لكنه لا يعيد بناء ما تهدّم.
كنت أحتاج شيئًا آخر: معنى، علاقة صادقة، أمل، صوت يقول لي: "أنا معك... ولن أتركك".
متى بدأت أتنفس من جديد؟
ذات يوم، وفي لحظة يأس حقيقي، أمسكت القلم وبدأت أكتب. لم أكتب بحثًا عن قرّاء، بل لأُخرج الصرخة من داخلي. كتبت عن الوحدة، عن الخذلان، عن البكاء في منتصف الليل دون صوت. ومع كل سطر، كنت أتنفس أكثر.
ثم جاء أول تعليق على إحدى مقالاتي: "شكرًا لأنك كتبت ما أعجز عن قوله". عندها شعرت أنني لست وحدي. أن ما أكتبه قد ينقذ شخصًا، تمامًا كما أنقذني.
ما تعلمته من الألم
- أن الاكتئاب ليس ضعفًا، بل جرحًا داخليًا لا يُرى.
- أنك لست مسؤولًا عن "إقناع" الآخرين بصدق معاناتك.
- أن الشفاء لا يكون فقط من خلال الأدوية، بل أيضًا من خلال العلاقات، التعبير، الإيمان بأنك تستحق الحياة.
- أن الألم يكشف لك من يحبك حقًا، ومن لا يفهمك أبدًا.
أنا اليوم
لا أدعي أنني بخير تمامًا، لكني حي. أكتب، أتنفس، وأحاول. تعلمت أن أكون صادقًا مع نفسي، وأن أكون أنا سندي حين ينهار الجميع. لا زلت أتناول أدويتي، لكني أيضًا أتناول الحروف، أمارس الصمت، وأبحث عن لحظات صدق مع قلبي.
وهذه ليست نهاية قصتي... بل بداية طريق أفهم فيه نفسي أكثر، وأحبها رغم الجراح.