رحلتي مع الأدوية النفسية: بين التجريب، المعاناة، والأمل
في كل مرة كنت أعود فيها إلى الطبيب النفسي، كنت أحمل في داخلي رجاءً خفيًا بأن هذه المرة ستكون مختلفة. أن الجرعة الجديدة، أو الدواء الجديد، سيُحدث فرقًا. لكن الحقيقة أن الطريق مع الأدوية النفسية لم يكن خطًا مستقيمًا، بل سلسلة من التجارب، الأخطاء، والمحاولات المستمرة للفهم.
البداية: عندما لم أفهم شيئًا
عندما تم تشخيصي لأول مرة بالفصام الوجداني، لم أكن أملك أي فكرة عما يعنيه هذا التشخيص أو كيف يمكن التعامل معه. الطبيب كتب لي وصفة طويلة، قرأتها كأنها لغة غريبة. لم أسأل كثيرًا. تناولت الدواء كما قيل لي، وانتظرت "التحسّن".
لكن ما حدث أنني شعرت بثقل في جسدي، نوم لساعات طويلة، جفاف في الفم، خمول، وكأن الحياة تُطفأ داخلي تدريجيًا. لم أعد أنا. نعم، توقفت بعض الأعراض، لكن ظهرت معاناة من نوع آخر: معاناة مع الآثار الجانبية، وفقدان الإحساس بالذات.
التجريب المؤلم
بدأت مرحلة "التجريب". مرة نرفع الجرعة، ومرة نقللها. دواء يُوقف الهلوسة لكنه يجعلني بلا طاقة. وآخر يحسّن النوم، لكنه يُشعل القلق بداخلي. شعرت أنني حقل تجارب.
أحد الأدوية جعلني أنام 16 ساعة في اليوم. آخر جعلني أفقد تركيزي كليًا. ودواء تسبب لي برجفة في اليدين جعلتني أكره الإمساك بالقلم أو حتى فنجان القهوة.
لكني لم أستسلم.
التصالح التدريجي
مع الوقت، بدأت أفهم نفسي أكثر. صرت أدون ما أشعر به بعد كل جرعة. ما الذي يزعجني؟ متى أكون أفضل؟ صرت شريكًا في علاجي، لا متلقيًا فقط. الطبيب لاحظ ذلك، وبدأ يحترم هذا الدور.
اكتشفت أن ليس هناك دواء سحري، وأن كل شخص يحتاج "خلطته الخاصة". احتاج الأمر إلى أشهر، وأحيانًا سنوات، حتى أصل إلى تركيبة دوائية تساعدني على العيش بسلام نسبي.
ما لم يخبرني به أحد
- أن التجريب ليس فشلًا، بل جزء من الرحلة.
- أن الأدوية ليست عدوًا، لكنها أيضًا ليست الحل الوحيد.
- أن الجرعة المثالية تختلف من شخص لآخر، ويجب تعديلها مع الوقت.
- أن التعب الجسدي أحيانًا يكون نتيجة الدواء، لا المرض.
- وأنك إن لم تكن صريحًا مع طبيبك، لن تُفهم.
نحو التوازن
اليوم، وبعد سنوات من المراجعات والتجارب والخذلان أحيانًا، وصلت إلى حالة من التوازن. أعلم أنني لن أشفى "تمامًا"، لكني أعيش. أعمل على نفسي، أتناول أدويتي بوعي، ولا أخجل من الحديث عنها.
تعلمت أن أكون رحيمًا بنفسي. أن أغفر لجسدي حين ينهار، وأحتفي بلحظات الصحو، ولو كانت قليلة. فأنا ما زلت هنا، وما زلت أكتب... وهذا وحده انتصار.