فرحة لا تنتهي... حين يصبح الحمام بلسمًا للروح
في زحمة الحياة وتقلبات النفس، كانت تجربتي مع تربية الحمام أكثر من مجرد هواية. كانت رحلة يومية إلى الهدوء، ونافذة تطل على عالم بسيط لا يعرف القلق، ولا يعرف الاكتئاب. في عيون الزغاليل الصغيرة، كنت أرى الحياة تولد من جديد. وفي صوت الحمام وهو يهدر بحنان، كنت أسمع طمأنينة خفية، لا يمنحها إلا مخلوق يعرف السلام بالفطرة.
حين تبيض الحمامة... يولد الأمل
حين تضع الحمامة بيضتين، يبدأ قلبي بالعد التنازلي، لا لأيام الفقس فقط، بل للحظة الانبعاث. كل بيضة أراها، هي وعد صغير بأن الحياة تستمر، بأن هناك شيئًا قادمًا يستحق الانتظار. وعندما يفقس البيض، وتخرج الزغاليل بأجسادها الضعيفة وأعينها المغلقة، أشعر وكأن شيئًا في داخلي يُبعث من جديد. لا مبالغة في القول إنني أحب هذه الكائنات كما يحب الأب أولاده. أفرح بنموهم، بمضغهم لأوّل طعام، وبخطواتهم الأولى على أطراف العش.
العلاج الذي لم يكتبه الأطباء
لقد عانيت من القلق، من اضطراب النوم، ومن نوبات الاكتئاب التي كانت تُظلم أيامي وتبهت فرحي. لكنني وجدت في مراقبة الحمام دواءً خفيًا. لم يُكتب على علبة، ولم يُصرف بوصفة. فقط كان هناك، حيًّا، بسيطًا، صادقًا. بينما أراقب الحمامة تطعم زغلولها، أنسى همومي. وعندما أرى الريش يبدأ بالظهور، أشعر بالإنجاز. وكأنني أنا من نضجت، أنا من تجاوز الألم، أنا من بدأ يطير.
علاقة بالحياة وليست مجرد طيور
الحمام لا يعطيني فقط المتعة، بل يربطني بالوجود. يشعرني بالمسؤولية، بالعطاء، بالحب. أستيقظ كل صباح لأتفقدهم، لا عن واجب، بل عن شوق. وحتى في الليالي التي لا يزورني فيها النوم، أجد في الحديث معهم، أو النظر إليهم، عزاء لا يشبه أي عزاء.
الزغاليل مرآة لنفسي
أدركت أنني حين أفرح بفقس بيضة، إنما أفرح بولادة جزء مني. أن كل زغلول هو صورة رمزية لطفلي الداخلي الذي يريد أن ينمو بسلام، بعيدًا عن الألم، وسط دفء العالم. تربية الحمام أصبحت طقسًا يوميًا للشفاء، ودرسًا صامتًا في الحنان، والتوازن، والصبر.
خاتمة
في عالم متعب، لم أجد علاجًا يعيد لي صفائي مثلما فعلت طيور الحمام. معهم أدركت أن الأمل يمكن أن يفقس كل يوم. وأن الزغاليل ليست فقط كائنات تُطير في السماء، بل مشاعر تتغلغل في الروح وتداويها. لكل من يبحث عن طمأنينة، أنصحك بأن تراقب حياة بسيطة تنمو أمامك... فقد ترى نفسك فيها تُشفى دون أن تشعر.
رضا أبو جاد | حكاية أمل