رحلتي مع الدواء: من الرفض إلى التصالح
في بداية تشخيصي بمرض الفصام، لم يكن أصعب ما واجهته هو الأعراض، بل الدواء. فكرة أن أتناول حبة يوميًا لبقية حياتي كانت مرعبة. شعرت أنني أفقد سيطرتي، وكأن حياتي أصبحت تعتمد على علبة دواء. كنت أقاوم، أرفض، أتهرب. لكن بمرور الوقت، تغيّر كل شيء.
الدواء ليس نهاية الكرامة
كنت أظن أن تناول الدواء اعتراف بالضعف. أنني إن فعلت، سأكون قد خضعت لمرض لا أريد الاعتراف به أصلاً. نظرة المجتمع عززت هذا الشعور، وكأن المرض النفسي لا يستحق أن يُعامل كأي مرض جسدي. لكن الحقيقة أن الدواء لم يكن ذلًا، بل نافذة نحو استعادة توازني.
الآثار الجانبية... العدو غير المرئي
لن أكذب، فقد كانت الآثار الجانبية مرهقة: تعب مستمر، بطء في التفكير، جفاف في الفم، نوم طويل. وكنت أظن أن هذه هي حياتي الجديدة إلى الأبد. لكن مع الوقت، ومع طبيب يفهمني، بدأ التعديل، بدأت التحسينات، ووجدنا الجرعة المناسبة. الصبر مع الدواء مهم بقدر صبر الدواء عليّ.
الاستقرار النفسي لا يأتي صدفة
حين بدأت أتناول الدواء بانتظام، بدأت ألاحظ الفرق. لم تختفِ الأعراض تمامًا، لكنها هدأت. أصبحت قادرًا على التفاعل مع الواقع بشكل أفضل. الدواء لا يصنع المعجزة وحده، لكنه يمهّد الطريق لها. وهذا ما لم يخبرني به أحد في البداية.
التصالح مع الدواء... تصالح مع نفسي
كنت أهرب من الدواء لأنه يذكّرني بالمرض، وكنت أهرب من المرض لأنه يُشعرني بالنقص. لكن حين توقفت عن محاربة حقيقتي، بدأت أتصالح مع كل شيء. أنا لست الدواء، ولا المرض، أنا إنسان يمرّ بتجربة. والدواء جزء من أدواتي في هذه الرحلة.
التجربة ليست واحدة
كل شخص يمر بتجربة علاجية مختلفة. بعضنا يتأقلم سريعًا، وبعضنا يحتاج شهورًا أو سنوات. وهذا لا يعني فشلًا. بل يعني أن الجسد والعقل كائنان معقدان. المهم أن لا نُحمّل أنفسنا ذنبًا إضافيًا فوق المرض. الرحلة شاقة بما فيه الكفاية.
كيف ساعدني الحوار مع الطبيب؟
في لحظة معينة، قررت أن أكون صريحًا مع طبيبي. حدثته عن كل شيء: الأعراض، المخاوف، الأحلام، وحتى أفكاري الانتحارية. ولأول مرة، شعرت أنني مسموع. العلاج ليس حبة فقط، بل علاقة مبنية على ثقة وتفاهم. ومن هنا بدأت أُشفى فعلاً.
الدواء لا يُنهي المرض... لكنه يمنحك فرصة للحياة
لن أجمّل الحقيقة: الفصام لا يُشفى نهائيًا في معظم الحالات. لكنه يُدار. والدواء هو أداتي كي أعيش، كي أكتب هذا المقال، كي أحب وأحلم. وربما يكون هذا كافيًا. الحياة لا تحتاج أن تكون مثالية لتكون ذات معنى.
رسالة إلى من يرفض العلاج
أفهمك. الخوف، التردد، الإحباط... كلها مشاعر مررت بها. لكن صدقني، التجربة تتغير حين نمنحها فرصة. لا تبدأ الدواء كأنك في معركة، بل كأنك تجرب نظارة لترى العالم بوضوح أكثر. قد لا تُعجبك النظارة، لكنك سترى الطريق.
أنا اليوم لست من يُحب الدواء، لكنني من يفهم قيمته. وهذا كافٍ لبدء علاقة سلام معه.