ADS

بين الأعراض والوصمة: معاناة مزدوجة

بين الأعراض والوصمة: معاناة مزدوجة
المؤلف لماذا الشعر
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

بين الأعراض والوصمة: معاناة مزدوجة



حين أصبت بمرض الفصام، لم تكن الأعراض وحدها هي العدو. بل كان هناك عدو آخر، خفيّ، مؤلم، وموغل في القسوة: وصمة المرض النفسي. كنت أعاني داخليًا من أفكار غريبة، هلوسات، قلق، وألم لا يُرى. لكني كنت أعاني خارجيًا أيضًا من نظرات الناس، من الصمت الثقيل، ومن الأحكام الجاهزة.

أعراض لا تُفهم بسهولة

ليس من السهل أن تشرح لشخص لم يمر بتجربتك أنك ترى أو تسمع أشياء لا وجود لها. أو أنك لا تستطيع الوثوق حتى في أقرب الناس إليك. كيف تشرح ما لا يُرى؟ كيف تبرر الخوف، الانطواء، التغير المفاجئ؟ المرض النفسي لا يضع ضمادة على جبينك، لكنه يمزق داخلك بهدوء.

حين يصبح الخوف من الناس أكبر من الخوف من المرض

كنت أخشى أن يعرف أحد ما أمرّ به. ليس لأنني أخجل من نفسي، بل لأنني أعرف ما سيقال: "مجنون"، "خطر"، "ضعيف"، أو حتى "يدّعي". الوصمة أشد فتكًا من الأعراض أحيانًا. تجعلك تعيش في عزلة اختيارية، لأنك لا تحتمل الجرح الثاني بعد جرح المرض.

نظرة المجتمع... عبء إضافي

نحن نعيش في مجتمع يتعاطف مع كسر في الساق، لكنه يسخر من كسر في العقل. يرى الدواء النفسي كوصمة، والجلسة النفسية كعار. وهذا ظلم. المرض النفسي ليس خيارًا، ولا ضعفًا، ولا نتيجة كسل. هو خلل في كيمياء الدماغ، في التوازن الداخلي، ولا أحد يختاره طواعية.

الازدواجية المؤلمة: أُعاني... ويُساء فهمي

أكثر ما يؤلمك كمريض نفسي هو أنك تعاني من الداخل، وتُدان من الخارج. تطلب المساعدة، فيُقال لك "شدّ حالك". تبكي، فيُطلب منك أن "تتماسك". وكأن القوة هي تجاهل الألم، لا مواجهته. لكنني تعلمت أن الاعتراف بالضعف هو أعلى درجات الشجاعة.

الدواء ساعدني... لكن قبول المجتمع تأخر

مع الوقت، ساعدني الدواء على تهدئة الأعراض، على العودة لحياتي شيئًا فشيئًا. لكن ما لم يتغير بسهولة هو نظرة الناس. أحيانًا لا يهم إن كنت متوازنًا، فالتاريخ الطبي وحده كافٍ ليُكتب عليك حكم مؤبد بالصمت أو العزلة أو الشك.

الكلمات تقتل كما تفعل الأعراض

"هل ستؤذي نفسك؟"، "أنت مجنون؟"، "لا تتكلم عن هذه الأمور أمام الناس"... هذه العبارات ليست مزاحًا. إنها طعنات. كل كلمة ترددها من باب "التحذير" أو "الحرص" أو حتى "الضحك"، تُزرع في قلب شخص يحاول أن ينجو. فلنتوقف عن تجميل التنمّر.

التغيير يبدأ من الداخل

اليوم، بعد سنوات من الألم، قررت أن أتكلم. لا لأني شفيت تمامًا، بل لأني تعلّمت أن الصوت أقوى من الصمت. أن كل مرة أحكي فيها قصتي، قد أفتح بابًا صغيرًا للرحمة في قلب أحدهم، أو أغلق بابًا من أبواب الأحكام الخاطئة.

رسالة إلى من يعيش تحت وطأة الوصمة

لست وحدك. نحن كثيرون. نصارع بصمت، نحاول بصبر، ونُحب الحياة رغم كل شيء. لا تدع وصمة المجتمع تمنعك من طلب المساعدة، أو من تناول دوائك، أو من أن تحلم. أنت لست المرض، أنت إنسان يمرّ بتجربة صعبة، ويقاوم باحترام.

ولعل صوتك يومًا ما يكون نورًا لغيرك. تمامًا كما كان صوت غيرك نورًا لي.

تعليقات

عدد التعليقات : 0