هل أحتاج الدواء إلى الأبد؟ سؤال يتردد كثيرًا
من أكثر الأسئلة التي طرحتها على طبيبي، وعلى نفسي، وعلى من مرّ بتجربة مشابهة هي: "هل سأحتاج إلى الدواء طيلة حياتي؟". كان هذا السؤال يؤرقني أكثر من المرض نفسه. كنت أبحث عن إجابة حاسمة، لكنني مع الوقت، وجدت أن الجواب لا يكون دائمًا أبيض أو أسود.
الدواء كرفيق طويل الأمد
حين شُخصت بالفصام، بدأت مباشرة بتناول مضادات الذهان. في البداية، شعرت أنها مجرد مرحلة قصيرة، جزء من الأزمة، وسينتهي قريبًا. لكن الواقع كان مختلفًا. مع كل محاولة تقليل أو توقف، كانت الأعراض تعود، أحيانًا بشكل أخطر. وهنا بدأ السؤال يظهر بقوة: هل سأظل أتناول هذه الحبة إلى الأبد؟
ما لا يخبرنا به الكثيرون
الحقيقة أن بعض الأمراض النفسية مثل الفصام تتطلب علاجًا طويل الأمد، وقد يكون مدى الحياة. هذه ليست هزيمة، بل طريقة للحفاظ على الاستقرار. الدواء لا يُشفي بالمعنى الكامل، لكنه يمنع الانتكاسات، ويُبقيك في مساحة آمنة تساعدك على الحياة بكرامة.
بين الخوف من الإدمان... والحقيقة العلمية
كثيرون يخشون من "الإدمان" على الأدوية النفسية، لكن الحقيقة أن أدوية الفصام، بخلاف بعض المهدئات أو مضادات القلق، لا تُسبب الإدمان بالمعنى الفيزيائي. بل هي أدوية تُضبط بحسب الحالة، وتُراقب من قبل الطبيب، وتُعدل حسب الحاجة. والخوف منها غالبًا ناتج عن الجهل بها.
تجربتي مع التوقف المؤقت
في إحدى المرات، بإرادتي أو نتيجة الإهمال، توقفت عن تناول الدواء. بدا لي الأمر طبيعيًا لأيام، لكن سرعان ما ظهرت التغيرات: القلق، التوتر، الأفكار المشوشة، والميل للعزلة. حين عدت للدواء، شعرت أنني عدت إلى نفسي. التجربة علّمتني ألا أُجرب هذا الطريق مرة أخرى دون إشراف طبي.
الدواء لا يمنعني من الحياة... بل يساعدني على عيشها
كنت أرى الدواء كقيد، كعلامة على ضعفي، أو كشر لا بد منه. لكن اليوم، أراه كوسيلة استقرار. لم أعد أتناول الدواء كي "أبدو طبيعيًا"، بل كي أكون بخير فعلاً. وهذا فرق كبير. الدواء لا يُغيّر من هويتي، بل يُعيد إليّ توازني الداخلي.
هل هناك أمل في تقليل الجرعة أو الإيقاف؟
أحيانًا، ومع مرور وقت طويل على الاستقرار، وبتوصية الطبيب، يمكن التفكير في تقليل الجرعة أو تغيير نوع الدواء أو حتى التوقف المؤقت تحت إشراف كامل. لكن القرار لا يجب أن يُتخذ من طرف واحد. كل خطوة من هذا النوع هي مغامرة يجب أن تكون محسوبة.
رسالة إلى من يخاف الاستمرار في الدواء
أعلم كم هو صعب تقبّل فكرة العلاج طويل الأمد. لكن صدقني، الاستقرار النفسي يستحق. لا تجعل الخوف من "المدة" يحرمك من سنوات قد تعيشها بسلام. العلاج ليس إعلانًا بالهزيمة، بل فعل مقاومة نبيل.
الدواء قد يرافقني طيلة الحياة، لكنه ليس عبئًا إذا كان يُبقيني على قيد الحياة، ويُبقيني أنا.